على رغم تخريجه 36 دفعة خلال تسعة أعوام، لا تزال الانتقادات الحادة والاتهام ب«القصور» يلاحقان برنامج «المناصحة» الفكري، إذ لم تعد تخلُ البيانات الأمنية حول الحوادث الإرهابية الأخيرة داخل المملكة من اسم لعنصر إرهابي سبق توقيفه لتورطه في حادثة أمنية، وإخضاعه لأنشطة البرنامج المعالجة فكرياً، التي تهدف إلى تصحيح الانحرافات الفكرية للمستفيد بإزالة الشبهات والتصورات الخاطئة، وبناء مفاهيم شرعية صحيحة، وفي الوقت الذي وجهت فيه العديد من الانتقادات للبرنامج، والمطالبة بإعادة النظر في آلياته، نظراً لعودة بعض الخاضعين له للأعمال الإرهابية، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي، أن نسبة العائدين إلى سابق عهدهم ممن خضعوا لبرنامج المناصحة لا تتجاوز 15 في المئة من إجمالي مستفيدي البرنامج، مؤكداً استجابة 85 في المئة ممن يخضعون للبرنامج بشكل كامل له، ويعودون عن الأفكار الضالة، كما أن الكثيرين منهم - بحسب ما أكده المتحدث الأمني - يبادرون بتقديم معلومات تساعد في القبض على إرهابيين وإحباط العديد من العمليات الإرهابية، مشدداً على أن عودة البعض منهم إلى الفكر الضال لا تنتقص من نجاح برنامج المناصحة ونتائجه. مركز المناصحة الذي خرج منذ إنشائه في 2006 نحو 36 دفعة، تضمنت 3071 مستفيداً، يتلقى العديد من المطالبات بتعديل آليات برامجه العلاجية، وذلك لرفع معدل استجابة مستفيديه، فيما أكد متخصص في الشأن الأمني ان المعطيات ونتائج البرنامج مشجعة، وقال الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية حمود الزيادي ل«الحياة»: «برنامج المناصحة وفقاً لمعطيات الإحصاء هو برنامج مشجع كونه يدمج مستفيديه في المجتمع، وذلك بعد إخضاعهم لبرامج علاجية فكرية، كما ان بعضهم يقدم معلومات ويتعاون مع الأجهزة الامنية، لذلك يعد أيضاً اضافة نوعية للمنظومة الامنية». وأوضح الزيادي: «معدل 15 في المئة من المستفيدين عادوا إلى سابق عهدهم، وهذه النسبة تحتاج إلى عمل أكثر حتى يمكن تقليصها إلى مستويات متدربة وذلك عبر مراجعة بعض آليات المركز وبرامجه حتى يمكن رفع النسبة لمستويات أعلى». وتابع: «التنظيمات الإرهابية تستغل من كان لهم سابقا دور ومشاركة في العمليات السابقة، لاستقطابهم مجدداً وذلك لوجود الخلفية حول طبيعة أعمالهم وقابلية ممارستهم لمثل هذه الأعمال الإرهابية، وهنا يتضح دور المجتمع والأسرة في احتضان الشخص بعد اخضاعه للمناصحة». من جانبه، رفض عضو لجنة مناصحة الموقوفين في وزارة الداخلية أستاذ أصول الفقه في جامعة أم القرى الدكتور محمد السعيدي الاتهامات الموجهة لمركز المناصحة ب«القصور» و«الفشل»، مؤكداً أن البرنامج ناجح في جميع مراحله، وقال ل«الحياة»: «برنامج المناصحة يعد برنامجاً ناجحاً، وحينما لا يستفيد أحد الموقوفين منه فهذا لا يعني فشل البرنامج، وإنما فشل المستفيد من البرنامج». وأضاف السعيدي: «سواء فشل البرنامج أم نجح هو «إبراء ذمة»، إذ إن معاقبة الأشخاص من دون مناصحتهم مسألة فيها حرج «شرعي»، لذلك الدولة تتجنب هذا الحرج وترى أن الفكر المنحرف يحارب بالفكر الصحيح، سواء وافق هؤلاء الموقوفون ونجحوا في تلقي المفاهم والمعلومات أم لا، كما أن إبراء الذمة واجب على ولاة الامر، وهي تقوم به من خلال برنامج المناصحة». ورفض السعيدي الاتهامات الموجهة للبرنامج، داعياً موجهي اللوم إلى انشطة المركز بالتوقف، وقال: «المركز مشروع عظيم تقوم به الدولة ويفترض الفخر به، وليس انتظار الفرصة او انتظار اسم شخص فشل في الاستفادة منه لتوجيه الاتهامات واللوم». وتابع: «من خلال هذا البرنامج تمارس الدولة حقوق الانسان في الشرعية الاسلامية من مناصحة الموقوف والرفق به ثم اطلاقه، فلا يصح استيقاف الشباب طول العمر، وحينما يخون بعد ذلك فخيانته عليه». يذكر أن برنامج المناصحة ممثلاً في مركز الأمير محمد بن نايف، يقدم أيضاً خدمة التأهيل وهي عبارة عن مجموعة من البرامج المتنوعة، تقدم داخل المركز في بيئة مختلفة عن بيئة السجن، وتقوم على الأسلوب العلمي والمنهجي لإعادة التأهيل، وتهدف إلى دمج المستفيد تدريجياً في المجتمع عبر تحقيق التوازن الفكري والنفسي والاجتماعي. وتتكون من برامج معرفية وبرامج تدريبية، وبرامج ثقافية إضافة إلى البرامج الرياضية والخدمية، وخدمة الرعاية وهي عبارة عن مجموعة من البرامج المتخصصة التي تقدم للمستفيد وأسرته بعد تخرجه في المركز، بهدف تحقيق توافق المستفيد الذاتي والاجتماعي مع البيئة المحيطة، وتعزيز دور الأسرة في عملية إصلاحه وتوجيهه ومساعدته في الاستقامة الفكرية، وتقوم على المنهج العلمي بتطبيق تقنيات درس الحال للمستفيد وأسرته من متخصصين شرعيين ونفسيين واجتماعيين، وتضم برنامج الرعاية الأسرية، وبرنامج رعاية الخريجين، إضافة إلى برنامج التكيف والاندماج.