1 لو أصبحت زعيماً عربياً، و (لو) هنا ليست للتمني ... بل هي من النوع الذي يفتح عمل الشيطان! لو أصبحت زعيماً، لكان أول قرار اتخذه هو أن أختار بين أن أجعل زعامتي مكرسة للإصلاح الداخلي الوطني أو مكرسة للعلاقات الخارجية الدولية. لست بحاجة أن يخبرني أحد الآن أن الخيار الأفضل والأمثل هو أن تنجح «زعامتي» في الشأنين: الداخلي والخارجي، لأنني أخشى أن يؤدي بي هذا الطموح الفائض إلى أن تنقضي مدة زعامتي (هذا إذا كانت تنقضي؟!) من دون أن أحقق... لا إصلاحاً داخلياً حقيقياً، ولا حضوراً دولياً مؤثراً. 2 من باب الأمانة العلمية، سأعلن أنني سمعت هذه الفكرة للمرة الأولى من لسان الزعيم مهاتير محمد، حين خطب علينا في مؤتمر إسلامي في العاصمة الماليزية كوالالمبور عام 1993، وكانت ماليزيا آنذاك لم تتحول بعد إلى نمر آسيوي. قال مهاتير في خطابه الذي لم أنس مضمونه رغم مرور 17 سنة: إننا في ماليزيا نعمل على خطة للنهوض الداخلي سميناها 2020، نهدف فيها إلى تحويل ماليزيا إلى دولة صناعية مؤثرة قبل حلول العام 2020. ولذا أرجو أن تعذرونا، والكلام من مهاتير إلى الوفود الإسلامية، إذا لم نسهم كثيراً في الجدل السياسي حول قضية القدس التي هي القضية الإسلامية الأولى بلا شك. لأن إسهامنا في قضية فلسطين عندما نتحول في ماليزيا إلى دولة متطورة سيكون أقوى وأشد تأثيراً من إضاعة وقتنا الآن في دور هامشي وضئيل تغطيه الدول العربية حينها بدرجة أكثر من كافية. حينذاك شعرت بالحنق من زعيم دولة إسلامية يقرر بإرادته التخلي عن القدس. لكن مع مرور الأيام وتطور ماليزيا وبقاء قضية القدس على ما هي عليه، بل أسوأ... رغم الكفاح العربي، اكتشفت حكمة مهاتير محمد، حتى قبل أن يتحول إلى نجم دولي في صناعة التنمية ونجاح التغيير. 3 حسناً... توجد في العالم العربي نماذج من الصنفين: ممن التفتوا إلى الإصلاح الداخلي ولم يشغلهم الحضور الدولي بالشغف الذي شغل زعامات الصنف الثاني الذين تتردد أسماؤهم في نشرات الأخبار الدولية. تسمية نماذج من الصنف الأول (الزعامات الوطنية)، أقل حرجاً من تسمية نماذج من الصنف الثاني (الزعامات الدولية). أما الأشد حرجاً على الإطلاق فهو تسمية النموذج الذي تخلى عن الاثنين: عن ثقله الدولي المؤثر من دون أن يلتفت إلى إصلاح داخلي تنموي، فتحولت الدولة التاريخية المشهورة بثقلها الدولي وركائزها الوطنية إلى مجرد دولة غير قابلة للتداول وجمهورية تمنع التجمهر! 4 عودة مرة أخرى إلى فترة زعامتي، قبل أن تنقضي! لم أفاجأ بصعوبة الاختيار بين أن ألتفت إلى الإصلاح الداخلي الذي أنشدّ إليه بحكم أن من لا خير فيه لأهله لا خير فيه للناس، أو الحضور الدولي الذي يشدني بفخامته وبريقه واتساع مداه. الإصلاح الداخلي له متطلبات صعبة، والحضور الدولي يتطلب تنازلات أيضاً. لو أعلم أن مدة زعامتي ستطول... لخصصت العشرين سنة الأولى للإصلاح الداخلي وتفعيل برامج التنمية وبتر الفساد. ثم خصصت العشر سنوات التالية لتكريس الحضور الدولي والإسهام في المشهد العالمي بفاعلية. لكن من يضمن لي العيش «زعيماً» ثلاثين سنة؟ كيف استطيع أن أقنع مَلك الموت بمبدأ «التمديد» لي... مثلما أقنعت الشعب / الملاك؟! آه لو عشت زعيماً لمدة كافية، لكنت فعلت الأفاعي ...ل! * كاتب سعودي [email protected]