تشير الأرقام الرسمية الى أن عدد الأبحاث العلمية الصادرة في الأراضي الفلسطينية في 2007 هي 212 بحثاً فقط، في حين أن عدد الأبحاث الإسرائيلية للعام نفسه فاق «89 ألف بحث». المقارنة بين الرقمين تكفي كمدخل للحديث عن مآسي البحث العلمي في فلسطين التي تحتل ذيل قائمة الدول العربية في ما يتعلق بإنتاج الأبحاث العلمية، والتي هي بمجموعها لا تقارن بإسرائيل أو حتى بإيران. ومع أن الصورة قاتمة، إلا أن أعداد الأبحاث العلمية الى ازدياد على المستوى الفلسطيني، وإن كانت لا تزال دون المستوى فعددها كان 20 فقط في 1996. والمشكلة ليست في قلة عدد الباحثين، بحسب الدكتور أيمن حسين، رئيس قسم الدراسات العليا للعلوم الطبيعية في جامعة النجاح. عبد الله سباعنة مثلاً اضطر للسفر إلى الأردن، ولبنان، ومصر، لإتمام رسالة الماجستير التي يعدها حول الصورة الفوتوغرافية في فلسطين قبل النكبة. فلا مراجع قيمة ومفيدة في المكتبات العامة الفلسطينية التي تديرها البلديات كما يقول ولا في مكتبات الجامعات، بعكس بعض المكتبات العامة في الأردن ولبنان ومصر، والأهم منها المكتبات الجامعية في إسرائيل وخصوصاً مكتبة الجامعة العبرية في القدس، التي تحوي كنوزاً من المراجع والأرشيفات الفلسطينية والعربية. وتمكن سباعنة من إنجاز رسالته التي سيناقشها قريباً لعله يحصل على درجة الماجستير، بعد جولته العربية، والاستعانة بالإنترنت، وبأصدقاء مقدسيين أو فلسطينيين من طلاب الجامعة العبرية، وفروا له الكتب اللازمة من مكتبتها لدراسته، لا سيما أنه لم يحصل على تصريح لدخول القدس. وليس بعيداً من حكاية سباعنة، لم تجد منى عبيدات، وهي تعد دراستها حول أدب الفلسطينيين ما قبل 1948، مراجع إلا في المكتبات الشخصية القليلة لأقارب لها وأصدقاء في الناصرة ورام الله، وطبعاً في مراجع الجامعة العبرية! وتقول: «كل زياراتي للمكتبات العامة ومكتبات الجامعات الفلسطينية ذهبت سدى. لم أجد إلا معلومات قليلة هنا وهناك. فالبحث العلمي عندنا معقد». ويصبح الأمر أكثر تعقيداً إذا تعلق بمواد علمية كالطب والأدوية والفيزياء، وهو ما يؤكده الطالب إياد سعيد، مشيراً إلى أن جهازاً لقياس ضغط المياه في الأنابيب تطلب أكثر من فصلين دراسيين لتسمح له سلطات إسرائيل بالعبور إلى رام الله! وحول معوقات البحث العلمي في فلسطين، يقول حسين: «هي متعددة وأولها ضعف المخصصات المرصودة من السلطة الفلسطينية، فحتى مبلغ الثمانين مليوناً المخصص للبحث العلمي يذهب لتمويل رسوم الدراسة، بالإضافة الى ضعف الهيكلية الإدارية للأبحاث في الجامعات، وضعف الحافز النفسي والمادي للباحثين، وغياب أية فرص حقيقية للتواصل مع مراكز الأبحاث الإقليمية والعالمية». ويضاف إلى ما سبق معوقات تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، فالحصار المفروض على قطاع غزة، والحواجز العسكرية، والإغلاق المتكرر في الضفة الغربية، ومنع وصول أهل الضفة والقطاع إلى القدس وداخل الخط الأخضر جميعها تعيق الوصول الى المعلومات، كما أن جمارك سلطات الاحتلال الإسرائيلي تفرض قيوداً وإجراءات معقدة لإدخال مواد لازمة للبحث، وأحياناً تفرض عليها ضرائب متعددة الأشكال. أما عميد التخطيط والتطوير في الجامعة الإسلامية الدكتور ماجد الفرا فيشرح معوقات البحث العلمي في فلسطين بأسباب تتعلق بالممارسات الإدارية للجامعات كعدم تخصيص موازنات للبحث العلمي، وغياب الحوافز المادية والمعنوية، وعدم انفتاح الجامعات على المؤسسات المحلية والعالمية لدعم الأبحاث العلمية. ويضيف الى ما سبق أسباباً تتعلق بالنشر، ومنها عدم تفعيل قانون حماية حقوق المؤلف وأسباباً تتعلق بالمشرف نفسه وانشغاله بالأعباء التدريسية الملقاة على عاتقه. نبيل الطهراوي، أستاذ الإعلام المساعد في جامعة الأقصى، يرى أن الأمر في قطاع غزة أكثر مأسوية منه في الضفة ولفت إلى أن الحكومة الفلسطينية في رام الله خصصت في موازنتها العامة 2010 ما نسبته 22 في المئة لوزارة الداخلية، و19 في المئة لوزارة التربية والتعليم، فيما خصصت الحكومة المقالة في غزة 96 في المئة من موازنتها للأمن والنظام العام والإدارة المالية وحدها!