لسنوات تكاد تقارب العقد والجامعة المغربية لا تدخل في الترتيب العالمي لأفضل 500 جامعة. ومنذ إطلاق معهد التعليم العالي الصيني في جامعة جياو تونج بشنغهاي في 2003 مشروعه الدولي الحائز على المصداقية لتقييم أداء ومستوى الجامعات، وأحد معاييره البحث العلمي يصدر المعهد تقريره، ويصدر معه هذا الخبر في المغرب، مذكراً المغاربة بضحالة جامعاتهم. وفي السنتين الأخيرتين، دخلت السعودية وأفريقيا الجنوبية وتركيا للمرة الأولى نادي المتفوقين، فاكتسى الخبر المغربي شكل ترويض سنوي قاس على جلد الذات. وثمة ما يبرر جلد الذات هذا، إذ يؤكد قانون تنظيم الجامعات المغربية الصادر منتصف السبعينات في أول فصل من الباب الأول (مهمة الجامعة وإحداثها) أن «على الجامعة تلقين التعليم العالي والقيام بالبحث العلمي وتكوين الإطارات والمساهمة في نشر المعرفة والثقافة». لكن الجامعة المغربية في ظرف عقدين ضخت إلى المجتمع ما يزيد بكثير على حاجته من الأطر التي تحتاجها الدولة لإدارة مؤسساتها، ووجدت نفسها على هامش تحولات المجتمع وحاجات السوق، ومع ذلك واصلت تخريج حاملي شهادات عليا ودكاترة لا يحتاج إلى كفاءاتهم وبحوثهم أحد. «غالبية البحوث لا يمكن وصفها بالعلمية، بقدر ما هي تقارير استقصائية ذات طابع حكوي وصفي وتجميعي في أحسن الأحوال، خالية من أي آفاق تحليلية أو إشكالية»، يقول الباحث هشام عابد. هذه السياسة، جنباً إلى جنب مع الوضع المترتب عنها لاحقاً، أثرا على الجودة العلمية للبحوث الأكاديمية المنجزة داخل الجامعة المغربية، وامتصا جدواها وجديتها. ويقول البروفسور عبد اللطيف الهلايدي، رئيس شعبة التشريح سابقاً في كلية الطب بالرباط، إن الطلاب «لا يفيدون حتى أنفسهم ببحوث الدكتوراه التي ينجزونها، لأنهم يبدأونها متأخرين، ويسعون من ورائها للحصول على اللقب المهني والوضعية الاجتماعية فقط، فضلاً عن عدم اهتمام المسؤولين بجدوى البحوث العلمية». ويؤكد الهلايدي متأسفاً أن «كل البحوث الطبية المنجزة منذ الستينات في المغرب لم تستخدم لشيء». ولكن لم يفقد كل الطلاب الأمل في جدوى البحث العلمي، وليسوا كلهم في سلة واحدة باحثين عن اللقب والوظيفة المجزية، على حساب الجودة العلمية، إلا أن من الصادم أن يكون هذا الاقتناع ذاته هو الذي دفع بعدد من الطلاب في سلك الدكتوراه بشعب العلوم الإنسانية والاجتماعية بالرباط ممن التقيناهم إلى التفكير في وقف مشاريعهم العلمية، لأن «مدة ثلاث سنوات غير كافية لإنجاز أطروحة جدية، والإشراف العلمي ضعيف» برأيهم، إذ «لا يتابع الأستاذ تطورات البحث، لأنه مشغول بأموره الخاصة». في تموز (يوليو) الماضي، طرح أساتذة جامعيون وباحثون في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط مشكلة ضعف البحوث العلمية في لقاء حول «وضعية العلوم الإنسانية في الجامعة المغربية» كماً وكيفاً. وسجل عبد الأحد السبتي، أستاذ باحث في التاريخ أن من مؤشرات أزمة البحث العلمي أن المترشحين لنيل شهادة الدكتوراه «يحضرون رسائلهم في مواضيع موجودة، وبالتالي يطغى التكرار على الأطروحات، وينعكس على طبيعة الإنتاجات العلمية». ويقول علي كريمي، وهو موظف وطالب باحث يعد رسالة دكتوراه في مجال الإعلام، إن ظروف البحث العلمي «صعبة» بخاصة على مستوى الوصول إلى المصادر العلمية: «الكتب موزعة بين المكتبات، وهناك صعوبة التنقل مع العمل، وعدم التفرغ الكامل للبحث». البنية التحتية ضرورية في البحث العلمي، يقول السبتي، مسجلاً «شبه غياب الخزانات والمكتبات العالية الجودة، ما ينعكس مباشرة على طبيعة المشروع وقيمته، فضلاً عن كون الحركية الجغرافية للطالب المغربي محدودة، بسبب القيود البيروقراطية». هذه الصورة المقلقة لوضع البحث العلمي في الجامعة المغربية، تقابلها اليوم صورة مستقبلية مختلفة جاءت مع مشروع تنمية الجامعة عبر البرنامج الاستعجالي لإصلاح نظام التربية والتكوين 2009-2012 ويهدف الى تأهيل الجامعة وتوسيع بنياتها التحتية ورفع طاقتها الاستيعابية وتحديث تجهيزاتها وتحسين شروط العرض التربوي والبحث العلمي.