عاد الطلاب ليملأوا صفوف الجامعات في لبنان بين الجامعة اللبنانية الرسمية وأكثر من 40 جامعة خاصة تنتشر بين المحافظات، ومنذ ساعات التدريس الأولى يبدأ الأساتذة في تحديد المشاريع النظرية والتطبيقية التي سيتمّ العمل عليها خلال السنة. في هذه اللحظة تحديداً يبدأ الطالب في البحث عن سبل إتمام مثل هذه البحوث التي غالباً ما تتطلب موارد بحثية من كتب وتقنيات تكنولوجية ومختبرات كبرى بحسب كلّ اختصاص. وفي هذا المجال، تختلف حالة طلاب الجامعات الخاصة عن الجامعة اللبنانية، فالمكتبات باتت متوافرة في النسبة الأكبر من المؤسسات التعليمية الخاصة إضافة الى المختبرات فيما لا تزال تعاني الجامعة الرسمية من ثغرات كبرى حيث يجد الطالب نفسه يُحارب من دون أية أسلحة: لا مكتبات كافية لسدّ الحاجات البحثية ومختبرات لم يتمّ تجديدها منذ سنوات طويلة. أمام هاجس البحوث النظرية والتطبيقية المطلوبة منذ سنوات الإجازة الأولى وصولاً الى رسالة الماجستير وأطروحة الدكتوراه، كثُرت في لبنان الحلول المبتكرة لسدّ العجز المعرفيّ عند الكثير من الطلاب الذين وصلوا الى مرحلة التعليم الجامعي من دون الكفاءة المطلوبة أو أولئك الذين لا يجدون في جامعتهم الموارد اللازمة لإتمام أبحاثهم فلجأوا الى البحوث الجامعية «الجاهزة» والتي باتت لها مصادر متعددة في لبنان من مكاتب وطلاب أنهوا المرحلة الجامعية الاولى، أو الحلّ الأسهل وهي خدمات الانترنت والبحوث التي باتت متوافرة بالآلاف على الشبكة العنكبوتية. إنه «العالم السفلي» في المسيرة الاكاديمية الذي لا يزال مجهولاً في الكثير من نواحيه ويعترض بلوغ لبنان مستوى عالياً على صعيد البحوث الجامعية. فتكفي زيارة للشوارع المحاذية للجامعات، لتكتشف مكاتب لا يتورّع أصحابها عن الإعلان عن «تخصصهم في كتابة البحوث الجامعية». ويقول أحد العاملين في تلك المكاتب «يبدأ البحث ب200 دولار ليصل الى 1000 دولار وأكثر بحسب الاختصاص والسنة الدراسية الجامعية». ويضم المكتب حوالى 8 أشخاص، كلّهم طلاب في مرحلة الماجستير أو آخر سنوات الإجازة وهم موّزعون بحسب الاختصاصات: علوم اجتماعية، علوم سياسية، فنون، رياضيات، علوم الكومبيوتر، علوم صحيّة، علوم التربية وعلوم الهندسة. ويؤكد مدير المكتب أنّه يحاول استقطاب المزيد من الطلاب الذين يمكن أن يصل راتبهم الى 800 دولار عبر المشاركة في البحث وكتابته وتسليمه الى الطالب. ويلفت المدير الى أنّ «الزبائن» غالباً ما يدرسون في بعض الجامعات الخاصة ويملكون الموارد المالية التي تمكّنهم من شراء بحوثهم، خصوصاً أنّ هناك الكثير من الأوراق البحثية المطلوبة خلال السنة الواحدة، أمّا طلاب الجامعة اللبنانية فلا يزالون قلة خصوصاً في المراحل الدراسية الأولى، لكن عددهم يتزايد تدريجاً في السنوات اللاحقة لأنهم يحاولون الجمع بين عملهم وعلمهم. أمّا مستوى البحوث فيؤكد المدير أنّه «جيّد، لا بل هناك طلاب يحصلون على علامات ممتازة بفضل البحوث التي نعدّها». أمّا الطلاب الذين لا يملكون الموارد المالية اللازمة لشراء البحوث ولا يسعون لبذل جهدٍ شخصيّ في الحصول على المعلومات من خلال القراءات والبحث المكثف، فالإنترنت هي حلهم الأمثل. ويكفي أن تضع الكلمات المناسبة على أي محرّك بحث لتجد مئات الأبحاث التي تتدفق ويصعب الاختيار بينها لكثرتها. وباتت تقنيّة «قصّ والصق» متداولة بين طلاب الجامعات في لبنان خصوصاً في البحوث التي تكون فترة تسليمها قصيرة. ويكشف الطالب جان م. (23 سنةً) وهو يتخصص في العلوم السياسية عن «سرّ المهنة» كما يقول، «ففي عصر باتت فيه التكنولوجيا هي المتحكمة بالعالم لم تعد هناك حاجة للدخول الى المكتبات والبحث الطويل، أدخِل الكلمات المناسبة وجمّع عدداً من الأبحاث ثم ادمجها ببعضها بعضاً ليصبح بين يديك بحث جديد». ليس جان الطالب الوحيد الذي يلجأ الى هذه التقنية التي باتت شائعة في الجامعة اللبنانية وبعض الجامعات الخاصة الصغيرة لغياب نظام التدقيق الالكتروني الكاشف للتزوير، وهو المعتمد في بعض جامعات النخبة. ويبقى في هذه الحالة الاعتماد على «ضمير» الطالب الذي يقرر عدم القيام بمثل هذه العمليات النسخية أو Plagiarism. وتقول الطالبة راشيل ع. (22 سنةً) في كلية التربية في الجامعة اللبنانية إنّ التميّز لا يمكن أن يكون من خلال النسخ، فهناك حاجة للبحث و «الإنترنت عامل مُساعد لكن يجب ألا تتحوّل الى الحلّ الأوحد للبحث الجامعي». وتؤكد راشيل أنّ الأساتذة المشرفين أصبحوا عالمين بكلّ الطرق التي يستخدمها الطلاب لاستكمال بحوثهم، وباتوا يشددون على ذكر المصادر في نهاية كلّ بحث. كما انّ الكثير من الجامعات بات يملك الأجهزة اللازمة لمطابقة الأبحاث على النصوص الإلكترونية لاكتشاف حجم النسخ الذي تمّ في البحث. وفي هذا المجال، تبرز الجامعة الأميركية في بيروت التي تملك جهازاً كاشفاً للنسخ عن الإنترنت وهو برنامج بات موجوداً في معظم الجامعات الكبرى في العالم. ويفسّر أستاذ الفلسفة في الجامعة بشّار حيدر طريقة عمل هذا الجهاز. فحين يُطلَب من الطلاب تقديم أوراق بحثية، يقومون بإنزالها على الجهاز المعروف بTurn it in الذي يقدّم تقريراً مفصّلاً للأستاذ المشرف على البحوث حول كمية النسخ التي جرت عن الإنترنت من خلال تقنية تتابع الكلمات Word Sequences. ويدقّق الأستاذ في ما إذا قام التلميذ بإسناد المقاطع المنسوخة، وإذا لم يتمّ ذلك يتمّ أخذ التدابير اللازمة بحقّه من خلال إحالته على اللجنة التأديبية. ويؤكد حيدر أنّ هناك مشكلتين رئيسيتين في النسخ: أولاً، أنّ الطلاب لا يحافظون على أخلاقيات البحث من خلال إسناد الكتابات الى مصدرها تقديراً للفكر الذي أنتجها. وثانياً، أنّ الطلاب لا يبذلون جهداً في البحث من خلال الاستعانة بالكتابات الجاهزة على الإنترنت. ولا يحيل حيدر المشكلة إلى الطلاب فقط إنما الى أزمة النشر في مجال البحوث العربية التي تدفع الطلاب الى التمسك بالمصادر الأجنبية ونسخها واقتصار بحوثهم على ما توافر على المواقع الإلكترونية. وفي حديث مع أستاذ محاضر في علوم الإعلام والاتصال رفض الكشف عن اسمه، يبدو واضحاً إدراك الأساتذة ما يحدث في عالم التعليم العالي في لبنان «فالطلاب يتحايلون على النظام، لكن إذا استطاعوا التحايل في مرحلة الإجازة فهل سيستطيعون استكمال هذه الطرق الملتوية خلال المراحل المتقدمة؟». سؤال مشروع لأستاذ خَبِرَ التعليم لأكثر من 15 سنةً، و يؤكد أنّ اللوم لا يقع كلّه على الطلاب إنما على الجامعات أيضاً التي لا تخصّص الموارد اللازمة لدعم البحوث العلمية النظرية والتطبيقية، إضافة الى عدم اهتمام وزارة التربية والحكومات المتتالية بهذا المجال. وهذا الكلام يؤكده غياب دراسات فعلية حول حجم إنفاق لبنان على الأبحاث العلمية، فالدراسة الوحيدة هي التي أصدرتها منظمة ال «يونيسكو» في 2004 وذكرت أن حجم الإنفاق في هذا المضمار لا يصل الى 0.4 في المئة من أجمالي الناتج المحليّ، وهو رقم يدلّ على إهمال هذا القطاع الحيوي على حساب سمعة قديمة بناها لبنان في الارتقاء بالتعليم الأكاديمي.