رويداً رويداً، تنضم عادات جديدة إلى ثقافة المجتمع السعودي، ومحاولاته التماثل لنظام حياتي أكثر صحة ونشاطاً وإيجابية، ولا سيما عبر شبابه المتماسّ مع الثقافات المختلفة خارج حدود البلاد والشغوف بالاطلاع والتجربة، يساعده في ذلك الإمكانات والفرص التي تتيحها تضاريس البلاد وإمكاناتها المادية والتحتية، بما يسجل حضوراً سعودياً في كل المجالات والصعد. تلك هي الحال مع رياضة «الهايكنج» أو المشي الجبلي، وهي رياضة ممتعة، وتتطلب لياقة بدنية جيدة، كما أن لها الكثير من الأبعاد التاريخية والتراثية والاجتماعية، وهي رياضة مليئة بالتأمل، تأمل يستوحي من البيئة والطبيعة ومن غرابة المكان، وظروف الطريق، وتحدي الصعود، بعض المغامرة؛ لذا فإن التأمل فيها أعمق، والمشاعر التي تنتاب الإنسان فيها مشاعر جديدة تتأثر بالمكان وظروفه؛ ما يجعلها رياضة فريدة وتبقى ذكرياتها زمناً طويلاً، وهي رياضة تجعل الإنسان محباً للطبيعة، وصديقاً للبيئة، فمن أسس ممارستها عدم رمي النفايات، أو الإضرار بالبيئة، كما يقول صالح الأنصاري المؤسس والمدير العام التنفيذي لمركز تعزيز الصحة. كانت هذه الرياضة تأتي بشكل مبادرات فردية واجتهادات شخصية، مثل أن يجمع فريق واحد على ممارسة الرياضة، في إجازة ما أو وقت فراغ واسع، ولكنها لم تنتظم في فريق متماسك يتبنى الرياضة بتقاليدها العالمية، قبل أن يبادر علي القحطاني ومجموعة من رفاقه إلى تأسيس «هايكنج السعودية». وينشط الآن هذا الفريق المحلي لأحد أشهر الرياضات وأحدثها على منطقة الخليج العربي، في قطع مسافات المشي الجبلي مع مجموعة تتضاعف من المشاركين يسيرون وفق خريطة أو دليل عارف بالطريق، في مناطق بعيدة عن المدن وتتميز بالوعورة وجمال الطبيعة. يضم فريق المملكة حالياً المئات من الأعضاء، إذ تجد الفكرة والتجربة المزيد من الاستحسان والرغبة بالانضمام إلى رحلات التسلق والسير منذ انطلاق المجموعة في 2015، إذ شارك خمسة أشخاص في بادئ الأمر، قبل أن يتزايد بصورة ملحوظة وبالتزامن في أطراف المملكة المتباعدة. تحدثت «الحياة» إلى مكتب هايكنج السعودية للسياحة في الرياض، إذ توجد فروع للمكتب في أنحاء المملكة، كمكة ومحايل ونجران وفروع أخرى، وتتضمن أنشطة وزيارة معالم وآثار وطبيعة المملكة الجغرافية، وأنشطة رياضية في سبيل تفعيل ونشر ثقافة رياضة المشي. واللعبة تتبع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، باعتبارها نشاطاً سياحياً وتتضمن صعود الجبال والتسلق، مع الاستمتاع بالأماكن السياحية والتاريخية، ويتم اختيار الأماكن بالاعتماد على المشاركين ومدى خبرتهم وقدراتهم. يهدف الفريق في المقام الأول، بحسب حديث مؤسسيه، إلى أهداف وطنية وصحية وتسليط الضوء على السياحة الداخلية في جميع مناطق المملكة، في ظل الغنى السياحي والجمالي والتنوع الذي تزخر به السعودية، إضافة إلى بث روح التنافس للمحافظة على البيئة وعدم ترك أثر للمخلفات ووضعها في الأماكن المخصصة، وهي التوصيات التي تكتب على لافتات يحملها أعضاء الفريق في رحلاتهم المتعددة. قبل كل رحلة يقوم الفريق بوضع خطة متكاملة لتنشيط فعاليات متفرقة، ويصطحب الفريق كميات كافية من الماء والطعام بحسب الحاجة، مع ضرورة التخطيط الجيد للوصول إلى المكان المناسب قبل حلول الظلام أو نفاد الماء. وتبنى فريق هايكنج السعودية مبادرة وطنية وسياحية في رحلة سير طويلة لرفع العلم السعودي على أعلى قمة على مستوى السعودية في سودة عسيرجنوب المملكة. ووصل الفريق إلى مدينة أبها من جميع مناطق المملكة بقيادة مؤسس الفريق المهندس علي مبارك القحطاني، وبمشاركة 38 مشاركاً من جميع مناطق المملكة، وكان علي ذو السبع سنوات أصغر المشاركين، بينما بلغ عمر أكبر مشارك «ابن حريد» 62 عاماً، وسلك فريق «الهايكنج» مساراً جبلياً يبلغ طوله نحو 7 كيلومترات متنوعة التضاريس والأشجار. ولعل الرياضة التي استقطبها القحطاني ورفاقه من خارج السعودية، حافظت عليها الجنسيات الغربية القاطنة في البلاد، إذ تعتبر واحدة من الأنشطة التي تقوم بها الجاليات الأجنبية أسبوعياً، والمشي لمسافات طويلة على الجبال خارج حدود الرياض. فرق «الرحالة» الذين ينتمون لجنسيات مختلفة، معظمهم من البريطانيين والأميركيين والألمان، وبعض الكنديين وقليل من العرب، يجدون في المشي لمسافات طويلة فوق الجبال متنفساً لهم. فمنذ 20 عاماً مضت، بدأ غير السعوديين الذين يعملون في سفارات بلدانهم أو في الشركات التجارية المختلفة، بتأسيس مجموعات ال«هايكنج» التي تلتقي وتتفق داخل «الكمباوندات السكنية» لإعداد جداول رحلاتهم ومهمات أعضاء الفرق في فترة ما بعد الظهيرة من يوم (الجمعة) متوجهين بسياراتهم ذات الدفع الرباعي إلى خارج مدينة الرياض (نحو ساعة من السير) ليستقروا بعدها في منطقة تكون حول الأرياف أو القرى القريبة من مدينة الرياض المشاركة، حيث تبدأ رحلة الانطلاق غالباً.