«الغزيّون» يتظاهرون احتجاجاً على استفحال أزمة الكهرباء، وأمن حكومة «حماس» يرد باعتقال عدد منهم، و «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» تحذر من «انفجار شعبي»، أما مواقع التواصل الاجتماعي فتعج بانتقادات شديدة، وملف الانقسام الوطني مفتوح على مصراعيه، والاتهامات موجهة الى الجميع. هذا هو المشهد العام في قطاع غزة هذه الأيام بعد استفحال الأزمة شبه الدائمة لانقطاع التيار الكهربائي منذ 11 عاماً، التي اشتدت في الشهريْن الماضييْن حين بلغ عدد ساعات وصل التيار يومياً بين خمس الى ست ساعات، لكنه تراجع خلال الأيام الأخيرة الى ثلاث ساعات فقط، وفي أحسن الأحوال الى أربع يومياً. وعلى رغم إعلان سلطة الطاقة التي تديرها حركة «حماس» أمس عن تحسن طفيف يشمل وصل التيار أربع ساعات يومياً، بعد تشغيل مولد ثان في محطة توليد الكهرباء الوحيدة بعد توريد وقود عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، إلا ان حال السخط الشعبي ما زالت مستمرة. وغصت شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً «فايسبوك»، بانتقادات شعبية ورسمية لحركة «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، وتدير سلطة الطاقة وشركة توزيع الكهرباء. وفي خطوة غير مسبوقة، وجه كثير من الناشطين دعوات الى مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع، أكثر من ثلثيْهم فقراء وعاطلون عن العمل، بعدم دفع فاتورة استهلاك الكهرباء. ويؤكد ناشطون أن لديهم معلومات تفيد بأن الوزارات والمؤسسات والمساجد التابعة لحركة «حماس» لا تدفع فواتير بدل استهلاك التيار، فيما تحصّل شركة التوزيع الأموال من المواطنين من خلال قطع التيار عنهم نهائياً وعدم ربطه إلا بعد الدفع، في ظل أجواء من الصقيع تجتاح القطاع منذ أسابيع. كما يتهم مواطنون وناشطون الحركة باستغلال الكهرباء في بناء أنفاق تحت الأرض في مناطق القطاع، وبافتعال أزمة الكهرباء، ويقولون إن منازل مسؤولي الحركة تنعم بالكهرباء ليلاً ونهاراً في وقت بالكاد تصل المواطنين العاديين، وهي اتهامات تنفيها الحركة. وما أن نزل مئات الشبان الى الشوارع احتجاجاً على الأزمة حتى اعتقل جهاز الأمن الداخلي عدداً منهم، ما دفع مستشار الرئيس السابق لحكومة «حماس» الدكتور أحمد يوسف الى التعليق على حسابه على «فايسبوك» أن «من حق الناس أن يتظاهروا ويتحركوا في مسيرات سلمية، فهذا السلوك طبيعي في كل البلدان، ولا يعكس بالضرورة وجود حال عداوة بين الحكومة والشعب، إنما هي حركة احتجاج طبيعية هدفها إيصال رسالة قوية للحكومة القائمة بأن هناك تقصيراً أو عجزاً في أحد أجهزتها مطلوب معالجته». وتساءل: «لماذا يحاول البعض تصوير ذلك كأنه ثورة على حماس أو على المقاومة، وليس رد فعل متوقع على خلل أو عجز في الأداء الحكومي؟». وأجاب: «بصراحة؛ إن انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة في هذه الأجواء الباردة كالصقيع استفز المواطنين لأن إجابات المسؤولين وتبريراتهم غير مقنعة، وهناك مظاهر طبقية يراها البعض حتى في طريقة توزيع الكهرباء». وحذرت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في بيان أمس من «انفجار شعبي في حال استمرار أزمة الكهرباء الطاحنة»، وقالت: «لن نساوم على الحقوق المدنية والحياتية لشعبنا، وأزمة الكهرباء سياسية بامتياز». وأضافت: «الأزمة أصبحت، للأسف، قدراً مزمناً على أهالي القطاع، وحلولها حبيسة أدراج المسؤولين، ولا رغبة لدى طرفيْ الانقسام في الوصول إلى حلول تنهيها وتخفف من معاناة المواطنين». واتهمت حركتيْ «فتح» و «حماس» بأنهما «أفشلتا بإصرار وتعمد كل المبادرات الوطنية الهادفة الى حل هذه الأزمة، في ظل محاولاتهما الحثيثة تكريس سياسات إدارة الانقسام، وإدارة الظهر للحلول الوطنية، وربطها بمصالحهما الخاصة بعيداً عن مصلحة المواطنين». كما حمّلت «الشعبية» سلطة الطاقة وشركة الكهرباء المسؤولية عن «سوء إدارتها هذه الأزمة، من خلال سوء العدالة في توزيع الأحمال»، داعية حكومة التوافق الوطني الى «إلغاء ضريبة البلو (تُعفي السلطة وقود المحطة من 80 في المئة من الضريبة) المفروضة على الوقود الذي يشغل محطة الكهرباء». وحذرت شبكة المنظمات الأهلية في بيان أمس من «التداعيات الخطيرة لاستمرار انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة»، مشيرة الى «تأثر قطاعات الصحة والمياة والصرف الصحي والقطاعات الإنتاجية وغيرها سلباً، اضافة الى آلاف الأسر، ومعظم أفرادها من الأطفال والنساء والمسنين، والتي تعيش في الكرافانات او بيوت غير مؤهلة في ظل واقع الطقس الشديد البرودة وعدم توافر بدائل للتدفئة والإنارة». وعبرت عن رفضها «تنكر الجهات المسؤولة في غزة والضفة الغربية تحمل مسؤوليتها القانونية والسياسية والأخلاقية تجاه هذه الأزمة وتداعياتها التي يجب ان تدفع كل الأطراف الى بذل قصارى جهدها من اجل حلها وتجنيب ابناء شعبنا المزيد من الويلات والمعاناة». يذكر ان قطاع غزة يشهد منذ بداية فصل الشتاء والانخفاض الكبير على درجات الحرارة، أزمة كهرباء آخذة في التأزم حتى أنه في بعض المناطق لا تصل الكهرباء إلا ساعة او ساعتين، ما أدى الى التأثير سلباً في كثير من المرافق الحيوية ومناحي الحياة المختلفة. ويؤكد العارفون بتفاصيل أزمة الكهرباء أنها لا تتعلق بمسائل فنية أو تقنية، بل تأتي في إطار المناكفات السياسية بين طرفي الانقسام، وتتحمل مسؤوليتها «حماس» والسلطة. ويشيرون الى ان محطة توليد الكهرباء مصممة لإنتاج 140 ميغاواط بمولدات عدة، لكنها تعمل فقط بمولدين بطاقة 50 ميغاواط بحجة عدم توافر الوقود، علماً أنه متوافر في كل محطات الوقود. وتحصل «حماس» على الوقود الإسرائيلي عبر السلطة، لكنها لا تدفع إلا جزءاً من أثمانه نظراً لعدم تحصيل أثمان الكهرباء من المستهلكين، خصوصاً من مؤسسات «حماس». وتقول شركة التوزيع إن «60 ألف مشترك لم يدفعوا أثمان الكهرباء التي استهلكوها» من أصل نحو 250 ألفاً.