لا يمر يوم إلا وتطالعنا فيه الصحف المحلية بأخبار عن الأخطاء الطبية التي كثرت، واستفحلت، وذهب بسببها أرواح كثيرة كان أملها الشفاء، لكن الأمل يضيع أمام استهتار بعض الأطباء والفشل في دقة التشخيص الذي هو الأساس في هذه الأخطاء، ولا تعرف إذا ما كان القصور ناتجاً عن ضعف مستوى كفاءة الطبيب، أو عجز في أدواته وآلاته الطبية، كم من مريض دخل لاستئصال الزائدة الدودية فاستأصلت مرارته؟ وكم من مريض دخل لاستئصال اللوزتين فاستأصل حجابه الحاجز؟ أما عمليات الجيوب الأنفية فحدث ولا حرج، إذا عرفت أن معظم الذين تعرضوا لها فقدوا حاسة الشم مباشرة، وتتساوى هذه الأخطاء في كل المستشفيات العامة منها والخاصة، وإذا ما قام المتضرر برفع دعوى قضائية على الطبيب المتسبب فالنتيجة إن اعتمدت لا تتجاوز مبلغاً من المال لا يساوي إصبعاً أو ظفراً للمريض، فأعضاء الإنسان وصحته لا تعوضها كنوز الدنيا بحالها، وبماذا تفيد الأموال أمام فقد الأعضاء أو تعطيل وظائفها؟ الأطباء المتسببون في الأخطاء، يسرحون ويمرحون فهم يعلمون أن عقابهم لا يتجاوز دفع الغرامة المقررة، أو الإبعاد عن المستشفى الذي يعمل فيه، لنراه في مستشفى آخر، أو العودة إلى بلاده إذا كان من غير السعوديين لتفاجأ به بعد فترة وقد عاد في منطقة أخرى، أو في المدينة نفسها مع تغير المستشفى. من يمنع هذه الأخطاء حتى لا يصبح المريض ضحية سخية لعبث بعض الأطباء وتلاعبهم في جسد الإنسان وأعضائه، وإهدائه عاهة مستديمة، أو إعاقة كبيرة في أعز ما يمتلكه من أجزاء جسده، ليصبح ذلك المريض عاجزاً عن الحركة ومقعداً على السرير أمام تملص المسؤولين، وتقاذف الأطباء بالخطأ، كل يلقيه على الآخر، والضمير غائب، وأخلاقيات المهنة رابضة خلف سلة الإهمال واللامبالاة أمام تعجرف بعض الأطباء الذين يرون أنفسهم فوق مستوى الأخطاء لشهرتهم وكفاءتهم التي يراهنون عليها؟ وهذا ما حدث معي شخصياً في حالة والدتي التي دخلت المستشفى لإجراء عملية بسيطة عبارة عن إزالة المياه البيضاء من عينها اليسرى، ففصلت شبكيتها وتسبب ذلك في عماها، ولم تفلح كل العمليات التي أجريناها في ما بعد في إعادة ولو جزء بسيط من بصرها، وكنت ألاحظ استهتار الطبيب في حالتها من خلال كل مراجعة نجريها وهي تصر على عدم الرؤية وهو يقول لها «إن بصرك يفوق بصر سائقي السيارات»، ولم يكلف نفسه حتى أن يفحص العين ليتأكد من عدم رؤيتها، وعلى رغم علم المستشفى بهذا الخطأ إلا أنهم لم يحركوا ساكناً نحو الطبيب، صحيح أننا لم نرفع دعوى ضده، لأن الوالدة أقسمت عليّ ألا أفعل ولا أتعرض للموضوع حتى في الكتابة، قائلة لي هل سيردون علي بصري؟ إلا أن الواجب يفرض على المستشفى معاقبة الطبيب حتى لا يكرر الخطأ مع آخر، خصوصاً والمستشفى عرض حالتها على لجنة طبية من قبله أقرت الخطأ وأكدته. أقرأوا هذا الخبر الذي طالعتنا به إحدى صحفنا المحلية الأسبوع الماضي، يقول: إن الهيئة الطبية الشرعية في مكةالمكرمة غرمت مستشفى حكومياً وستة أطباء من الوافدين مبلغاً قدره 234 ألف ريال بسبب خطأ تسبب في فقد أحد الأطفال لست من حواسه هي على التوالي: «السمع، والبصر، والنطق، الحركة، والتغذية، والتبول». بمعنى أن كل طبيب أفقده حاسة بدلاً من العلاج، والثمن 234 ألف ريال، يا بلاش! على ضياع صحة الإنسان والزهد فيها، أمام تخاذل في سن القوانين الصارمة، التي من أبسطها «العين بالعين والسن بالسن». [email protected]