ثمة ضجة كبيرة في شأن «تسلّح» دول الخليج العربية وصفقات الأسلحة الضخمة التي تبرمها مع الولاياتالمتحدة خاصة. ولكن حقيقة الأمر، أنه يقوم حالياً سباق تسلح على جانبي الخليج بين الجانب العربي والجانب الإيراني، حيث لا تمر أيام معدودات إلا بإعلان هذا الجانب الثاني عن تجربة طائرة جديدة أو سلاح صاروخي جديد، هذا فضلاً عن احتمالات الملف النووي الإيراني، ثم تزايد الحديث في الأوساط الإسرائيلية، والأميركية مؤخراً، في شأن توجيه ضربة عسكرية إلى منشآت إيران النووية. وهي حرب لن تكون – إن حدثت – «نزهة» في مياه الخليج الهادئة، بل ستكون كما تمثّل الحجاج بن يوسف الثقفي في خطبته المشهورة: هذا أوان الشدّ فاشتدي زيَمْ قد لفها الليل بسوّاق حُطَم... الخ علماً أن الخليج عانى كثيراً من حروب سابقة كحرب تحرير الكويت التي انتهت بإيجابية، وحرب العراق عام 2003 التي لم تكن نتائجها ايجابية إلى هذه الدرجة...! إن سباقات التسلح تثير الكثير من المشاعر والأفكار المتضاربة والمتناقضة. وهي – في جانبها السلبي – تدفع أكثر الناس إلى الاستنتاج أن الدول التي تبيع هذه الأسلحة لدول المنطقة الغنية بالنفط، تبيعها من أجل الحصول على المال في أزمة اقتصادية عالمية، الانتعاش الملحوظ من آثارها بطيء وهش، وتهديدها ما زال مسلطاً على الرؤوس. ولا يمكن، بل يستحيل «تبرئة» الدول البائعة من هذه «التهمة»! أما الجانب الأكثر سلبية وظلامية فهو «عامل الخوف». ان عامل «الخوف» من العوامل المؤثرة في التاريخ! وقد ذهب مفكرون واقتصاديون وأيديولوجيون، بعضهم ينتمي الى المدرسة الماركسية والبعض الآخر الى المدرسة الرأسمالية الى أن «الاقتصاد» – مثلاً هو «العامل الأوحد» في مجرى التاريخ. ومن دون أن نتعرض لدحض أو تأكيد هذا العامل باعتباره «العامل الأوحد» فإننا نرى أن عامل «الخوف المتبادل» لا يقل أثراً عنه، وهو عامل نفسي يؤدي إلى الإنفاق الشديد، أي يؤدي إلى مفعول «اقتصادي» يصب في دوامة الخلط بين عوامل التأثير التاريخي وأيهما أشد تأثيراً: الدجاجة أم البيضة؟! إن عامل «الخوف المتبادل» قد أدى مراراً في التاريخ إلى سباقات تسلح رهيبة، بل إلى اختراع أسلحة مدمرة، وهو الآن لا يقتصر على حوض الخليج، بل نشهده حول «البحر الأصفر» في شرق آسيا حيث تتنافس دوله على شراء الأسلحة أو تصنيعها، في ظل تحالفات بين دول وشعوب لم يكن متوقعاً أن تتحالف إلا بدافع عامل «الخوف المتبادل»! إن تفكير الإنسان، منذ فجر التاريخ، في سكن «مأمون» دليل على ذلك، وقبل أيام قليلة اتهم الرئيس الأميركي خصومه «الجمهوريين» بأنهم يثيرون «الخوف» لدى الناخبين الأميركيين من أجل مكاسب انتخابية... إن جنون سباق التسلح في شرق آسيا مطلع القرن الحادي والعشرين، يذكر المؤرخين بجنون سباق التسلح في أوروبا مطلع القرن العشرين حيث تلته الحرب العالمية الأولى عام 1914 والحرب العالمية الثانية عام 1939. والمأمول ألا يتكرر المشهد في آسيا كما حدث في أوروبا، فقد دفعت الشعوب الأوروبية ثمناً باهظاً لحروب غير متوقعة واستبعدها فكر «التقدم» الأوروبي! وإذ تمر كوريا الشمالية الآن – التي تعمل على مشروعها النووي – بصراع سلطة بين ابنيْ الرئيس «المحبوب» الحالي، أي تمر بحالة ضعف سياسي داخلي، وتنال دعماً صينياً قوياً، فإن المخاوف تتصاعد من شنها حرباً – قد تكون نووية على جارتيْها: كوريا الجنوبية واليابان، ربما شملت القوات الأميركية الموجودة هناك. وقد عادت روسيا أخيراً إلى هذا التسابق وتحاول أن تقول إنها تملك أسلحة فتّاكة «متقدمة» لا تقل أثراً عن الأسلحة الأميركية. وهي لم تقم بإعادة قيمة صفقة الصواريخ من طراز S-300 إلى إيران إلا التزاماً بالعقوبات الدولية – لحسابات تخصها – وفي المقابل فهي تبيع الهند دبابات وتبيع سورية صواريخ بحرية، وثمة حديث عن بيعها تلك الصواريخ التي كانت محجوزة لإيران إلى فنزويلا، هذا فضلاً عن مفاعل نووي جديد، والجميع لا يمكن أن ينسى مدى فعالية السلاح الروسي في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973. وينبغي عدم التقليل من دور الضعف السياسي الداخلي أو سوء الوضع الاقتصادي الذي لا يخلو من انعكاسات سياسية سلبية على اتخاذ قرار الحرب، تخلصاً من «الضائقة» السياسية الاقتصادية في عملية «هروب إلى الأمام». إن العقوبات الدولية الحالية على إيران ليست مريحة بالنسبة الى وضعها الداخلي، وربما كانت من العوامل التي قد تدفعها إلى الحرب، ولكن ثمة مؤشرات أخرى بعكس ذلك كالتزام الرئيس الإيراني في زيارته الى لبنان بديبلوماسية «التهدئة» واتصاله قبل ذلك بالملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وهو في طريقه إلى بيروت، ثم إعلان وزير خارجية إيران عن استعدادها لمفاوضات جديدة مع الغرب. وعندما يتفاعل عامل الخوف مع عامل «الضائقة» السياسية الاقتصادية، فإن نتائج هذا التفاعل المريع لا يمكن أن تصب في مصلحة السلام والاستقرار. وإذا كان صدام حسين قد اندفع بعامل الخوف وحده إلى مهاجمة إيران عسكرياً في عمل أحمق، خوفاً من انعكاسات الثورة الإيرانية على نظامه، فإن عامل الضائقة بعد حربه الفاشلة ضد إيران وتكاليفها الباهظة قد دفعه إلى قرار أكثر حمقاً باحتلال دولة الكويت، ولم يكن ذلك غير «هروب إلى الأمام»! والقرار الدولي والخليجي والعربي بتحرير الكويت يجب أن يعطي درساً لجميع الأطراف المطلة على حوض الخليج. إلا أن للمسألة – في ما يتعلق بالوضع الحالي في منطقة الخليج – وجهاً آخر لا بد من رؤيته. وهو أن الاستعداد للحرب يمنعها. فهو يوجه رسالة قوية إلى مختلف الأطراف بضرورة تجنب الحرب. وربما كان «استعداد» القوتين الأعظم أيام الحرب الباردة، وقبل تفكك الاتحاد السوفياتي، لحرب نووية هو الذي منعها حتى في لحظات تهاوي القوة الأخرى. هذه مسألة، فالاستعداد للحرب يمكن أن يمنع الحرب والمسألة الأخرى الجديرة بالنظر: إن دول الخليج العربية حريصة على الاستقرار، وهي انشغلت لسنوات طويلة بالبناء والتنمية، ولم تندفع للتسلح إلا عندما بدأت نُذُر الخطر بالظهور. وهي لا تحمل قطعاً أية نيات عدوانية حيال جارتها إيران. والمأمول ألا يزيد الإعلام الإيراني من مخاوفها بإرسال التهديدات هنا وهناك. وقد أكدت للجانب المعني أنها متمسكة بالطابع «الدفاعي» فحسب لاتفاقها معه ولن تسمح بمهاجمته إيران من أراضيها. إلا أن إسرائيل هي الحريصة على حدوث الضربة لأنها لا تريد للمنطقة العربية أن تستقر وتزدهر، وترى في حرب كهذه مهرباً لها من مستحقات السلام مع الفلسطينيين... السلام الذي تجتمع شواهد عدة على أنها لا تريده... * كاتب من البحرين