هل يقف الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف في قفص الاتهام، باعتباره المسؤول عن تفكيك دولة عظمى؟ سؤال افتراضي أثارته دعوة نواب روس إلى فتح ملف الانهيار ومحاسبة المسؤولين عنه، في منعطف تاريخي أوحى بأن الحدث الأوكراني سرّع وتيرة نهوض «الطموحات الإمبراطورية» عند بعضهم في روسيا، وجعل جمهوريات سوفياتية سابقة تتحسس رأسها، في انتظار تداعيات الحدث عليها. (راجع ص 8) في مكالمة هاتفية مع رئيس مجلس تتار القرم مصطفى جميلوف، مطلع آذار (مارس)، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبارة لافتة ضاعت أهميتها لدى تسابق الأحداث الساخنة التي تلت الواقعة. كان بوتين يأمل بالحصول على دعم التتار لقرار ضم القرم الذي صدر لاحقاً، وعندما أصر جميلوف على تطلعهم إلى البقاء ضمن «أوكرانيا موحدة» رد سيد الكرملين: «إعلان استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي وظهورها كبلد مستقل، يحتاجان إلى تقويم قانوني». سرعان ما وجدت تلك العبارة تطبيقاً عملياً، إذ قدّم عدد من أعضاء مجلس الدوما (النواب) الروسي طلباً إلى النيابة العامة الروسية لفتح تحقيق في ملابسات تفكيك الاتحاد السوفياتي عام 1991، واعتبار إعلان انهيار الدولة العظمى سابقاً غير قانوني، وملاحقة المسؤولين عن ذلك الحدث قضائياً، وبينهم الرئيس الأول والأخير للبلد المنهار ميخائيل غورباتشوف. ولم تكن إشارة بوتين الذي سبق أن اعتبر انهيار الاتحاد السوفياتي «أسوأ كارثة في القرن العشرين»، السبب الوحيد لإطلاق الحملة الجديدة ل «إعادة الروح» معنوياً على الأقل، إلى ذلك الاتحاد، لكنها منحت بعضهم الضوء الأخضر ليعتبر أن الوقت حان لفتح هذا الملف. هذا ما أوضحته كلمات أحد مهندسي الحملة، النائب عن حزب «روسيا الموحدة» الحاكم يفغيني فيودروف، إذ قال إن «هذا الموضوع ظل مطروحاً على الطاولة 23 سنة، وغدا مطلباً أساسياً بعد الحدث الأوكراني، والمطلوب فتح تحقيق موسع يقدم تحليلاً شاملاً لملابسات الانهيار ويعاقب المسؤولين عنه». وفي إشارة ذات مغزى، أضاف النائب أن التحقيق «سيساعد روسيا في معرفة آليات عمل الطابور الخامس ومواجهة خططه، كما سيمنح قوى التحرر الوطني الناهضة في الفضاء السوفياتي السابق حافزاً ودعماً». لم يوضح النائب المقصودَ بقوى «التحرر الوطني الناهضة»، لكن الإشارة لا تخفى، فالكرملين رفع بعد انتصار «الميدان» الأوكراني لواء الدفاع عن الروس والأقليات الناطقة بالروسية، ليس في أوكرانيا فحسب، بل و «في كل مكان»! والحدث الأوكراني الذي ضرب مشروع «تكامل أوراسي» عمل عليه بوتين لسنوات، وكان يتطلع من خلاله إلى صنع «اتحاد سوفياتي صغير»، دفع الكرملين إلى «الهروب إلى أمام» كما يقول بعضهم. فمحاكمة انهيار الاتحاد السوفياتي قد لا تسفر عن تغيّرات دراماتيكية تعيد رسم الخرائط، لكنها ستضيف ملفاً مهماً إلى أدراج صنّاع القرار، وتمنحهم هراوة يكفي التلويح بها لإعادة من يشق عصا الطاعة إلى «الطريق القويم». وقد يفسر ذلك حرج موقف حلفاء روسيا في الاتحاد السوفياتي السابق. فالجار الأقرب بيلاروسيا، أعلن تحفظه عن فكرة الفيديرالية في أوكرانيا. أما الحلفاء في آسيا الوسطى الذين يعانون أصلاً من نزعات انفصالية، فاجتمعوا وأعربوا عن «تفهمهم موقف روسيا»، ثم حاولوا دفع تسوية تريح كل الجهات وتغلق الأبواب أمام الرياح الآتية. وفي روسيا حيث خفت صوت المعارضين حتى يكاد لا يُسمع، مر الحدث بهدوء، وإن أبدى بعضهم بمن فيهم غورباتشوف نفسه اعتراضاً على محاولة «تزوير التاريخ» بذريعة «تصحيح كتابه»، ومنهم من اعتبر أن هذه «دعوة فريدة إلى مراجعة التاريخ واستدعائه لدعم تطلعات الحاضر». اعتبر غورباتشوف أن دعوات بعض نواب مجلس الدوما (البرلمان) الروسي إلى مقاضاته بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي «محض غباء، والدعوات غير مدروسة ومن ناحية الوقائع التاريخية غير صحيحة». ونصح النواب بإجراء «تحليل جدي لكل من صوّت وكيف صوّت في المجلس الروسي الأعلى للموافقة على اتفاق بيلوفيجسكايا بوشا» الذي وُقِّع في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1991 ونتج عنه تشكيل رابطة الدول المستقلة وتفكك الاتحاد السوفياتي. وتابع غورباتشوف: «يجب جمع نواب الدوما آنذاك الذين صوّتوا لمصلحة الاتفاق وإرسالهم إلى المنفى».