دخلت المواجهة الروسية مع الغرب طوراً جديداً بعد تحول الوضع في شبه جزيرة القرم إلى أمر واقع جديد تصر روسيا على ضرورة أن يتعامل العالم معه قبل فتح أي من ملفات الحوار التي غدت متراكمة على طاولات المفاوضات بانتظار لحظة جلوس اللاعبين إليها. «لا خطوة إلى الوراء» هو الشعار الذي سيطر على المزاج العام في روسيا، وفي الإقليم الانفصالي الذي يحتفل هذه الأيام ب «عودة تاريخية» إلى حضن «الأم الروسية». على رغم أنه قبل أسبوعين فقط لم يكن ليخطر في بال أحد أن تأخذ التطورات هذا المسار المتصاعد والمتسارع. في بداية تصاعد الأزمة الأوكرانية، وعندما بات واضحاً بعد 21 شباط ( فبراير) أن مقاليد الأمور انقلبت لمصلحة المحتجين الذين أحكموا سيطرتهم على السلطة، وعزلوا الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وبدأوا يضعون خططاً متسرعة لتعزيز قبضتهم على البلاد، في تلك الفترة لم تكن الأمور في القرم تشي بأن ثمة تطورات مقبلة ستكون لها تداعيات تاريخية. فشبه الجزيرة كان هادئاً تماماً مثل الكثير من مناطق الشرق والجنوب الأوكراني التي تقطنها غالبية ناطقة بالروسية، حتى إن كثيرين تساءلوا في حينه: أين أنصار يانوكوفيتش؟ لماذا لم ينزلوا إلى الشوارع؟ وسعى بعضهم إلى الإجابة على السؤالين بمراجعة استطلاعات الرأي في الفترة الأخيرة التي دلت على فقدان الثقة تماماً بالرئيس المعزول وعلى أن الغالبية العظمى من الأوكرانيين ليست راغبة بالدفاع عن سلطته المتهمة بأسوأ حال فساد شهدتها البلاد منذ حصولها على «الاستقلال» عن الاتحاد السوفياتي. لكن فجأة، وفي الأيام اللاحقة، بدأت التطورات تأخذ مجرى مغايراً. في 23 شباط اقتحمت مجموعة من الشبان الذين يرتدون ملابس عسكرية من دون شارات تدل على الجهة التي ينتمون إليها مقرَّي البرلمان والحكومة في شبه جزيرة القرم، وأعلنت عزل رئيس الوزراء الذي أعلن تأييده الأحداث الجارية في كييف، و«بايعت» رجل الأعمال الروسي سيرغي أكسيونوف رئيساً جديداً للوزراء في الإقليم. ووجه الرجل خطاباً حماسياً أكد خلاله عدم الاعتراف بالسلطة الجديدة في كييف. وبدأ نشاطاً مكثفاً لحشد الأنصار ومحاولة السيطرة على المرافق الحكومية في الإقليم. وبعد يومين عندما أعلن رئيس الوزراء الأوكراني الجديد أرسيني ياتسينيوك موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في 25 أيار (مايو) لم يطل انتظار أكسيونوف كثيراً، وأعلن تنظيم استفتاء في الموعد نفسه ل «توسيع صلاحيات الإقليم في إطار الدولة الأوكرانية». هكذا، بدأت القصة. لكن التطورات اللاحقة دلت على أن تلك المرحلة كانت تشهد نشاطاً مكثفاً لبلورة موقف أكثر حزماً، وبدعم غير محدود من موسكو. في الأيام التالية، غدا مشهد «الرجال الخضر» (شبان يرتدون ملابس عسكرية) وفق التسمية التي باتت تطلق عليهم محلياً، هو المسيطر، وتقريباً في كل المرافق والمنشآت وعلى تقاطعات الطرق وفي المناطق الحيوية ظهر هؤلاء وفرضوا سيطرتهم عليها، وباتوا لغزاً بالنسبة لكثيرين، وعلى رغم أنهم أطلقوا على أنفسهم «لجان الحماية الشعبية»، لكن كييف أكدت أن موسكو خلف الموضوع. وتطرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للظاهرة خلال أول ظهور تلفزيوني له بعد اندلاع الأزمة، وقال: «إنهم اشتروا الملابس العسكرية الروسية من الأسواق فهي متوافرة في كل مكان»، ما أثار غيظ كييف التي أعلنت أن الزي العسكري الروسي لا يباع في أي مكان داخل أوكرانيا. هذا السجال البسيط غدت له مدلولات مهمة لاحقاً، لأنه كان العنصر الأساس وراء اتهام روسيا بأنها عملت بهدوء، ولكن بثقة على فرض سيطرة كاملة على شبه الجزيرة عبر مجموعات «الناشطين» وبالتوازي مع قيام أسطولها البحري بمحاصرة القطع الأوكرانية لمنع تدخل العسكريين الأوكرانيين. في تلك الأثناء وعندما شعرت السلطات الجديدة في القرم بأن الوضع بات تحت السيطرة المطلقة، أعلنت تقريب موعد الاستفتاء إلى 30 آذار (مارس) وغيرت الصيغة المقترحة له لتغدو: استفتاء على تقرير مصير شبه جزيرة القرم. في السادس من آذار كان القرار في شأن مستقبل القرم قد حسم. «ستعود الأرض الروسية إلى أصحابها» هكذا، أعلن أكسيونوف عن تقريب جديد لموعد الاستفتاء، ليغدو هذه المرة، وطرح السؤال على جمهور الناخبين بصيغته النهائية: هل ترغب في العودة إلى دستور 1992 الذي يعتبر القرم إقليماً يتمتع بحكم ذاتي داخل أوكرانيا، أم ترغب بالانضمام إلى روسيا؟ وباتت النتيجة محسومة سلفاً. ولا تبدو ثمة أهمية كبرى للتوقف عند الدعاية الانتخابية في الأيام العشرة اللاحقة، إذ غدا واضحاً أن الترويج يتم لطرف واحد ولم يسمح لأصحاب وجهة نظر أخرى بالدفاع عن موقفهم، حتى أن الشعار الرئيس الذي وزع في كل مدن وشوارع شبه الجزيرة كان لافتاً في شكل صارخ: علم أوكرانيا رسم فوقه صليب معقوف في اتهام لسلطات كييف بأنها نازية، يقابله علم روسيا تشرق فوقه شمس المستقبل! وأمر آخر يجب التوقف عنده، فموسكو في اليوم الأول بعد تقريب موعد الاستفتاء تجنبت التسرع في إعلان موقف فهي رحبت بتنظيم الاستفتاء لكنها أعلنت أنها ستحدد خطواتها اللاحقة فقط بعد ظهور نتائجه، وهدف هذا التحفظ إلى تخفيف انتقادات الغرب وتجنب منح خصوم الكرملين ورقة جديدة ضد موسكو باعتبار أنها «أدارت الأمر برمته». لكن الموقف الهادئ لموسكو أقلق سلطات القرم التي طلبت من روسيا إعلان «دعم واضح لتشجيع السكان على الإقبال على صناديق الاقتراع»، وهذا ما تم في اليوم التالي إذ أعلنت موسكو أنها «ستؤيد قرار سكان القرم وتتخذ الخطوات اللازمة» كما بدأ مجلس الدوما بمناقشة مشروع قانون لضم أجزاء من بلد أجنبي. كانت المهمة في تلك اللحظة ضمان أوسع إقبال ممكن على الصناديق لمنح الاستفتاء شرعية لا غبار عليها. هكذا، حسمت السلطات بالتعاون مع موسكو الوضع وأخرجته في شكل قانوني، لكن على رغم وجود تساؤلات كثيرة تشكك في الآلية التي اتخذتها التطورات ثمة نقاط لا بد من أن تحسب لمصلحة موسكو. أولها، أن القرم ظل دائماً بالنسبة إلى سكانه وإلى مواطني روسيا أرضاً لا يمكن التشكيك بانتمائها إلى الحضن الروسي على رغم «الخطأ التاريخي» بنقل إدارتها «شكلياً» إلى أوكرانيا في 1954، ثم قيام سلطات روسيا في لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي بتجاهل حساسية مكانتها بالنسبة إلى روسيا نظراً إلى وجود أسطول البحر الأسود فيها، ولارتباطها في الذاكرة الروسية بسلسلة حروب وإخفاقات وانتصارات أسفرت عن ضمها رسمياً في عام 1783 على يد الإمبراطورة كاثرين الثانية. ثانياً، إن كل استطلاعات الرأي التي أجريت في الإقليم على مدى العقدين الماضيين دلت على نزوع سكان المنطقة بغالبيتهم الروسية للانضمام إلى روسيا، ما يعني أن النتيجة المعلنة للاستفتاء وهي 96 في المئة من أصل 82 في المئة من الناخبين المشاركين، ليست موضع تشكيك بحد ذاتها. ثالثاً، تجنبت موسكو وسلطات القرم أي مواجهة عسكرية، وعلى رغم فرض سيطرة كاملة لوحدات الأسطول الروسي، وتقطيع أوصال المدن بحواجز عسكرية للتفتيش، لكن ظل العنصر الظاهر هو «الرجال الخضر» الذين لم يطلقوا الرصاص على أحد، ولم يسمحوا لاستفزازات تؤدي إلى وقوع اشتباكات مسلحة. وبهذا المعنى يحسب للكرملين أنه للمرة الأولى في التاريخ نجح في إعادة ضم القرم، من دون إراقة نقط دم خلافاً لتاريخ حافل بالحروب وبحور الدماء التي دفع ثمنها بالدرجة الأولى السلكان الأصليون لشبه الجزيرة وهم تتار القرم. ولا بد هنا من التوقف عند موقف تتار القرم أنفسهم الذين عارضوا بقوة الاستفتاء، وأعلنوا ولاءهم لحكومة كييف لأسباب تاريخية لا تخفى. وقال ل «الحياة» النائب في الرادا (البرلمان) الأوكراني وزعيم الأقلية التتارية في القرم مصطفى جميلوف: «إن لروسيا تاريخاً مظلماً معنا»، مذكراً بأن حرب القرم في القرن الثامن عشر أسفرت عن مقتل مئات الألوف، وتهجير كثيرين قبل إعلان ضم شبه الجزيرة، كما أن الأقلية التترية التي بقيت في مناطقها تعرضت للتنكيل من جانب السلطات في عهد الزعيم يوسف ستالين، وبعد تحرير القرم مباشرة قرب نهاية الحرب العالمية الثانية تم ترحيل مئات الألوف من سكان شبه الجزيرة في غضون يومين فقط إلى كازاخستان وسيبيريا حيث عانوا أحوالاً مأسوية، ويقول مؤرخون إن ثلثهم قضى بسبب الجوع والبرد والمرض في السنوات اللاحقة. ولم يسمح للتتار بالعودة إلى مناطقهم، إلا في نهاية العهد السوفياتي في عام 1988. ونبه جميلوف إلى مخاوف من شن حملات جديدة على من تبقى في المنطقة، وهم حالياً حوالى 300 ألف نسمة (من أصل 2.2 مليون نسمة) وقال إن كثيرين منهم سيقومون بهجرة جديدة للجوء إلى أوكرانيا التي منحتهم أخيراً صفة «جزء من السكان الأصليين للبلاد». لا تبدو عبارات جميلوف متفائلة وهو يتحدث عن المستقبل المنظور بالنسبة إلى شعب «عانى كثيراً على مدى التاريخ»، على رغم أن موسكو سعت إلى طمأنة الأقلية التترية عبر إعلانها عن التزامها ب «ضمانات» قدمتها السلطات الجديدة في القرم بينها سياسية مثل الالتزام بتخصيص حوالى 25 من مقاعد المجالس المحلية وهياكل السلطة لهم، وضمانات ثقافية منها الاعتراف باللغة التترية رسمية في شبه الجزيرة مثل الروسية والأوكرانية. ماذا بعد؟ لم يعد ثمة مجال للشك بأن موسكو لا تنوي التراجع عن خطواتها الأخيرة، مهما كانت شدة العقوبات المفروضة عليها من جانب الغرب. والأكيد أن الروس لا يتجاهلون أن التطورات تحولت إلى سابقة خطرة، ويكفي أنها فتحت شهية أقاليم انفصالية أخرى في الفضاء السوفياتي السابق للسير بالخطوات ذاتها. وتبدو حالياً أربعة أقاليم على الأقل، مرشحة لأن تشهد تصاعداً في التوتر، على رأسها جزيرة بريدنوستروفيه في مولدافيا التي أعلنت منذ عام 1991، استقلالاً من جانب واحد عن مولدافيا، ونظمت منذ تلك الفترة استفتاء لا يختلف في جوهره عن الاستفتاء الذي نظم في القرم بهدف الانضمام إلى روسيا. هذا الوضع يذكر بالجمهوريتين المنفصلتين من جانب واحد عن جورجيا بدعم روسي أيضاً، أبخازيا واوسيتيا الجنوبية، وهما تطمحان منذ زمن للانضمام إلى الاتحاد الروسي، وأعادتا خلال المرحلة الأخيرة، وفي غمار الجدل حول القرم، التذكير بمطلبيهما. ويشير خبراء إلى أن سابقة القرم ستكون لها تداعيات أوسع. وثمة أصوات ارتفعت أخيراً تشير إلى أن موسكو وضعت نفسها في موقف حرج، على رغم أن بوتين خرج منتصراً بكل المقاييس من هذه المواجهة حتى الآن وبدعم شعبي غير مسبوق قفز من نسبة 58 في المئة مطلع العام إلى أكثر من 72 في المئة حالياً. وتفسير حراجة الموقف كما تقول تمارا مارشاكوفا وهي قاضية سابقة في المحكمة الدستورية العليا، إن موسكو رفضت بقرار قضائي من هذه المحكمة نتائج استفتاء نظم في تتارستان الروسية يتطابق في جوهره ومضمونه مع استفتاء القرم. ففي عام 1992 نظمت الجمهورية الذاتية الحكم استفتاء للخروج من السيطرة الروسية وإعلان الاستقلال، لكن المحكمة الدستورية وجدت أن الاستفتاء مخالف للدستور الروسي. ولم يفسر أحد من فقهاء القانون حالياً كيف تم تمرير نتائج استفتاء القرم في المحكمة الدستورية العليا، من دون التوقف عند هذه النقطة. أيضاً، رفضت المحكمة الدستورية العليا بالمنطق ذاته طلب انضمام أبخازيا في عام 2008، وبررت موقفها بأنه لا بد من توقيع «معاهدة بين دولتين مستقلتين لتنظيم ضم جزء من تلك الدولة إلى روسيا»، وعلى رغم أن موسكو أعلنت بعد ذلك اعترافها باستقلال أبخازيا رسمياً عن جورجيا لكنها لم تسارع إلى تطبيق السيناريو نفسه عليها. في المقابل، لا يستبعد بعضهم أن تشهد المرحلة المقبلة، وبعد انزياح غبار «المعركة السياسية الحالية» خطوات جديدة لتوسيع النفوذ الروسي في الفضاء السوفياتي السابق عبر فتح ملفات هذه الجمهوريات الانفصالية التي «تقطنها غالبية روسية أيضاً». وعلى رغم أن الرئيس الروسي كان واضحاً في خطابه أمام البرلمان عندما قال: «إن بلاده لن تسعى إلى توسيع تدخلها في مناطق شرق أوكرانيا وجنوبها، وإنها ستعمل على حماية مصالح الروس في هذه المناطق بوسائل سياسية وقانونية»، لكنه قال أيضاً في موقع آخر ما يمكن تفسيره على أنه إنذار للدولة الأوكرانية: «من مصلحة أوكرانيا ذاتها أن تضمن الحقوق القومية والثقافية للمواطنين الروس فيها». لكن، هل تبدو توجهات كييف للانضمام إلى الحلف العسكري الغربي واقعية؟ يعتبر خبراء روس قريبون من مطبخ صنع القرار، أن هذا الاحتمال يبدو مستبعداً مهما بلغت درجة اللهجة الحادة للسلطات الأوكرانية تجاه موسكو. والأسباب كثيرة، وبينها أن الحلف نفسه لن يرغب بضم متعجل لبلد لم يعرف الاستقرار السياسي والاقتصادي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. قد يكون هذا التقدير واحداً من أسباب الثقة الروسية بأن الخطوات المتخذة لن تؤدي إلى تدهور كبير في مسائل الأمن الاستراتيجي، على رغم أنها فتحت الباب أمام إعادة تقسيم أوروبا، ووضع جدار فاصل جديد بين طرفيها. وتقوم الرؤية الروسية حالياً على امتصاص النقمة الأوروبية، ومحاولة التعامل الحذر من موضوع العقوبات لحصرها في نطاقات لا تشكل ضرراً بالغاً على العلاقات، خصوصاً مع أوروبا الشريك الأهم لروسيا. ثم الانطلاق من ضرورة التعامل مع الأمر الواقع الجديد في شكل عملي ومرن. ولا يخفي خبراء في موسكو أن الغرب قد لا يهتم بمسألة ضم القرم، باعتبار أن هذه منطقة نفوذ روسية بحكم وجود الأسطول الروسي فيها منذ 220 سنة على الأقل. لذلك، جاءت تطمينات الكرملين بأن موسكو لا ترغب بتوسيع تدخلها في أوكرانيا لمنح أوروبا فرصة للاعتراف بالأمر الواقع الجديد، والانطلاق منه في التعامل مع قضايا التسوية السياسية المطلوبة لتطبيع العلاقات. تعتبر موسكو أن تسوية الأزمة مع أوكرانيا تنطلق من أبعاد موضوع القرم عن النقاش، باعتباره غدا أمراً مفروغاً منه، ولا تراجع عنه، ثم الانطلاق إلى بحث آليات استراتيجية لإعادة تشكيل هياكل السلطة في أوكرانيا على أسس جديدة، وعلى رغم أن موسكو تقول لضيوفها إن معنى هذا الكلام هو إعادة وضع دستور وإجراء انتخابات شرعية على أساسه واحترام المكونات القومية عبر تقديم ضمانات للروس وجملة من المسائل الأخرى، لتنظيم علاقات جوار بين موسكو وكييف، لكن خبراء قريبين من الكرملين لا يخفون أن الهدف الأساسي لروسيا هو الوصول إلى فرض صيغة «الدولة الفيديرالية» في أوكرانيا، وهي صيغة جرى النقاش حولها طويلاً في الكرملين خلال السنوات الماضية باعتبارها المخرج من الأزمات المتتالية في البلد الجار. وبالصيغة الفيديرالية للحكم ستكون لموسكو القدرة على التدخل في مناطق الشرق والجنوب عبر اتفاقات مباشرة مع الهياكل المحلية لكل إقليم، ما يمنحها مجالاً واسعاً للمناورة، ويضمن لها بقاء دائماً. العنصر الثاني المهم لروسيا هو إعلان أوكرانياً بلداً محايداً، أي عدم انضمامها إلى أية أحلاف عسكرية، ولا يخفى أن المقصود هنا حلف شمال الأطلسي تحديداً. هذا هو السيناريو الروسي للبلد الجار، وفي حال نجحت في فرضه، فستكون وضعت أولى الخطوات نحو الهدف الاستراتيجي الأبعد وهو تعزيز وضع الفضاء الحيوي لها في منطقة تشهد تقلبات وسباقاً مع الزمن، وصراعات بين راغبين بالخلاص من الهيمنة الروسية وآخرين يرون في روسيا السند الاقتصادي والسياسي الأهم.