«الأجانب محرّك رئيس لعجلة الاقتصاد النمسوي»، و «ذوو الكفاءات العالية، مضطرون للعمل خلف مقود الشاحنات»، «مبادئ السيخ»، و «نتائج انتخابات الجالية اليهودية»... هذه ليست إلا عناوين لمقالات وتقارير صحافية تتمحور حول قضايا تتعلق بأوضاع المواطنين النمسويين المنحدرين من أصول أجنبية أو غير المسيحيين. ففي ظل ارتفاع نسبة المهاجرين في النمسا، واحتدام الجدل محلياً وإقليمياً حول إمكان إيجاد طريقة مثلى لدعم اندماج هذه الفئة في المجتمع الأوروبي عموماً والنمسوي خصوصاً، تعددت محاولات ردم الهوة بين المواطنين والأجانب، خصوصاً من المعنيين بهذه القضية في شكل مباشر. من أبرز المحاولات التي تصب في هذا الاتجاه، المشروع الذي أطلقته جمعية «إم ميديا» قبل ثلاث سنوات. فبعدما أجرى مؤسسو الجمعية المعنية «بتغيير الصورة النمطية الشائعة عن الأجانب في الإعلام المحلي»، سلسلة من المفاوضات على مستوى رسمي مع شخصيات مهمة في البرلمان وقطاع الإعلام النمسوي، تمكنوا من تحقيق قفزة على هذه الطريق. فجهود الجمعية أثمرت منحها منبراً إعلامياً بات في إمكان المهاجرين استخدامه لمخاطبة أقرانهم من الفئات النمسوية الأخرى، والتعبير عن همومهم وإنجازاتهم، إضافة إلى نشر الأنباء والتطورات المرتبطة بمختلف الجاليات المقيمة في البلاد والقوانين التي تؤثر على أوضاعهم. ففي سابقة، من نوعها، في الساحة الإعلامية في النمسا، وافقت صحيفة «دي بريسيه» النمسوية العريقة والواسعة الانتشار على تخصيص صفحة كاملة من طبعاتها لينشر فيها وفي شكل أسبوعي كُتاب ومحررون نمسويون - أجانب مقالات في هذا الإطار، وذلك على رغم ما يعرف عن توجه هذه الصحيفة المحافظ. تقول ناسيلا بيرنغي، مديرة جمعية «إم ميديا» وهي إيرانية الاصل من أبناء الجيل الثاني من المهاجرين: «انتهزنا فرصة اختيار الاتحاد الأوروبي سنة 2007 عاماً للحوار بين الثقافات، وطرحنا مبادرتنا على الجهات المعنية، وجرى الاتصال بأربع صحف محلية، إلى أن تحقق لنا مطلبنا بأن نساهم بأنفسنا وبمهنية عالية في إخراج «الأجانب» من الغيتو المفروض عليهم في لا وعي النمسويين». ولعل من أهم «ميزات» هذه الصفحة العنوان الذي اختير لها والذي تقرر أن لا يشير إلى «أصول» محرريها وأن يكون محلياً بحتاً، لذلك أطلق عليها عنوان «صفحة الشؤون النمسوية». تقول بيرنغي: «تعمّدنا أن يكون عنوان الصفحة نمسوياً خالصاً، فالنمسا في نهاية المطاف هي المجال الحيوي الذي يعيش فيه المحررون، وهي تشكّل مركز الثقل في حياتهم». وتوضح ان «هذا المشروع لم يمنح ذوي الأصول الأجنبية مساحة للتعبير عن أنفسهم وبلسان حالهم فقط، بل هو مساهمة فعالة في إطار تقديم نماذج إيجابية عن المهاجرين، باعتبارهم شريحة اجتماعية لا يمكن تجاهل وجودها أو تأثيرها على المجتمع النمسوي». وتتابع مديرة الجمعية: «لا شك في ان صحيفة «دي بريسيه» وضعتنا أمام تحدٍ صعب، لكننا نجحنا في مهمتنا من حيث اختيار المواضيع وتحريرها بلغة وأسلوب يتناسبان مع المستوى الرفيع للصحيفة». وتلفت برينغي إلى وجود طاقم قوي من مجموعة خريجي كلية الإعلام أو الصحافيين من أصول أجنبية، والذين واجهوا صعوبة في إيجاد وظائف داخل المؤسسات الإعلامية المحلية المنغلقة على ذاتها والتي تتخوف من خوض مغامرة توظيف أجنبي بدعوى عدم إتقانه اللغة وعدم إلمامه بمجريات الأمور من الناحية السياسية والثقافية في النمسا. أما كريستيان أولتش، من إدارة التحرير في صحيفة «دي بريسيه»، فيؤكد أن صفحة «شؤون نمسوية» التي تصدرها الصحيفة أسبوعياً منذ ثلاثة أعوام أغنت «دي بريسيه» ومنحتها طابعاً مميزاً لما تطرحه من موضوعات شيقّة تهم المجتمع بكل أطيافه وألوانه.