كانت نهاية عام 2016 حافلة بأجواء من التفاؤل بين الفلسطينيين بعد القرار التاريخي الذي تبناه مجلس الأمن ضد الاستيطان، والذي يتوقع أن يعطي دفعاً لجهود ملاحقة إسرائيل دولياً، ويوفر إسناداً قانونياً لحملات المقاطعة الدولية لإسرائيل، وهي الحملات التي كان لها النصيب الأكبر من الإنجازات هذا العام بما يؤهلها لأن تكون الحدث الفلسطيني الأبرز عام 2016. نهاية العام شهدت أيضاً محاولة ترتيب البيت «الفتحاوي»، وإعادة فتح ملف «وعد بلفور»، فيما عادت المبادرة الفرنسية لتتصدر المشهد بعدما حددت باريس موعداً جديداً لعقد مؤتمرها الدولي للسلام منتصف الشهر المقبل، أي قبل 5 أيام من تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الحكم. كما ظهرت بوادر أمل بإنهاء الانقسام الوطني بعد الإعلان عن تحرك روسي لاستضافة مؤتمر للفصائل الفلسطينية في 17 الشهر المقبل ستكون المصالحة في صلب جدول أعماله. سيذكر الفلسطينيون تاريخ 24-12-2016 باعتباره يوم ميلاد القرار الدولي الرقم 2334 الذي يدعو إسرائيل إلى وقف الاستيطان، ويحظى بتوافق دولي واسع (14 صوتاً لصالحه وامتناع أميركا عن استخدام الفيتو). ويعتبر القرار أن الاستيطان انتهاك للقانون الدولي وعقبة أمام حل الدولتين، ولا يعترف بما تم بناؤه من مستوطنات ويميّز بينها وبين إسرائيل، ويضع آلية دولية لمراقبة الاستيطان. وعلى رغم أنه قرار معنوي، بمعنى أنه لا يتضمن عقوبات، إلا أنه يؤسس لمرحلة جديدة في مواجهة الاستيطان على الساحة الدولية على مستويين، أولاً تحرك السلطة في المؤسسات الدولية لتجريم إسرائيل بتهمة انتهاك القانون الدولي، خصوصاً في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وثانياً على مستوى حملات المقاطعة وملاحقة الشركات التي تستثمر أو تتعامل مع المستوطنات في شكل مباشر أو غير مباشر، إذ يتوقع تصعيداً لهذه الحملات بعد أن أصبحت مقاضاتها أو عرقلة عملها أكثر صعوبة بوجود قانون واضح في مجلس الأمن ضد الاستيطان. واعتبر القرار ضربة لنتانياهو ورداً من الرئيس باراك أوباما على إهانات سابقة. لكن الأهم أن القرار فرض قيوداً على سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، ووضعها أمام أمر واقع جديد. ويبدو أن إسرائيل ما زالت تترقب ضربة جديدة من إدارة أوباما توقعت أن يحملها خطاب وزير الخارجية جون كيري خلال مؤتمر باريس، وأن تتضمن الخطوط والمبادئ الرئيسة لعملية السلام. وتقول أوساط صحافية إسرائيلية إن الخوف ليس من الخطاب، بل في أن يبادر طرف دولي إلى استلهام الخطوط العامة للخطاب في طرح مبادرة تُفرض على إسرائيل، وتجد أميركا نفسها مضطرة إلى تأييدها. ترامب والسلام في هذه الأثناء، لا تزال توجهات الرئيس المنتخب دونالد ترامب تثير القلق لدى الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب تصريحاته وتصريحات فريقه المتضاربة في شأن الاستيطان، ونقل السفارة الأميركية إلى القدسالمحتلة، وعملية السلام. على أن الأمر الأكيد في كل هذا أن ترامب معني بحل الصراع وينوي التدخل الفاعل في عملية السلام، إذ كتب في تغريدة على «تويتر» أخيراً أن «الخسارة الكبيرة لإسرائيل في الأممالمتحدة ستجعل مفاوضات السلام أكثر صعوبة. مؤسف جداً، لكننا سنتوصل إليه (السلام) بأي حال». وقبل ذلك نقل عنه قوله إنه يعارض قرار مجلس الأمن لأنه جزئي وليس شاملاً وسيضر بعملية السلام. وكان قال لصحيفة «نيويورك تايمز»، أنه قد يكون هو الرئيس الذي يصنع السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. إذن المؤشرات كثيرة إلى أن ترامب ينوي لعب دور في عملية السلام، لكن ما هو شكل هذا الدور وحدوده، وما هي طبيعة الحل، وهل هو حل إسرائيلي أم حل متوازن، كلها أمور ستوضحها الأشهر المقبلة. «المبادرة الفرنسية» وإلى أن يتسلم ترامب السلطة ويتلمس طريقه، تعمل الديبلوماسية الفرنسية على عقد مؤتمر دولي للسلام منتصف الشهر المقبل. ويأتي المؤتمر في إطار المبادرة الفرنسية لدعم حل الدولتين، وتتضمن مرحلتين، الأولى عبر مؤتمر دولي عقد في باريس منتصف العام من دون مشاركة الفلسطينيين وإسرائيل، والثانية بمشاركتهما وكان مقرراً عقده قبل نهاية العام، لكنه أرجئ قبل أن يحدد موعد جديد له منتصف الشهر المقبل. وكان العام الحالي شهد جهوداً غير مثمرة لدفع عملية السلام، منها محاولة روسية لجمع الرئيس محمود عباس ونتانياهو في قمة في موسكو، وأخرى مصرية عندما ذهب وزير الخارجية سامح شكري إلى تل أبيب ورام الله لهذه الغاية، يضاف إليها خطة اللجنة الرباعية العربية التي دعت إلى مصالحة «فتحاوية»، تليها مصالحة وطنية، تمهد لذهاب الفلسطينيين موحدين لعملية سلام مع إسرائيل، وهي خطة رفضتها السلطة. تهويد القدس و «انتفاضة السكاكين» استغلت إسرائيل تعطيل عملية السلام في تسريع وتائر الاستيطان وتهويد القدس إلى درجة غير مسبوقة، فصادقت الحكومة على بناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية، ورصدت 20 مليون دولار للاستيطان. كما أعلن مكتب الشؤون الإنسانية في الأممالمتحدة أنه منذ مطلع العام، هدمت إسرائيل 726 منشأة فلسطينية. وفي القدسالمحتلة، أفاد تقرير لمنظمة التحرير الفلسطينية أن الحكومة الإسرائيلية ستنفذ مشاريع استيطانية تقضي بطرد 200 ألف مقدسي بسحب الهويات، وزيادة نسبة المستوطنين بنسبة 80 في المئة، وفصل القرى الفلسطينية عن المدينة. كما أدت اقتحامات المتطرفين والمستوطنين المتكررة والمتصاعدة للمسجد الأقصى المبارك إلى بلوغ التوتر مداه في القدس، قبل أن يعود الهدوء بعد اتفاق إسرائيلي - أردني. وأعلن مركز «كيوبرس» لشؤون القدس أن 8960 إسرائيلياً اقتحموا الأقصى منذ بداية العام. في هذه الظروف، جاءت «انتفاضة السكاكين» كشكل جديد من أشكال مقاومة الاحتلال، إذ يحاول شبان عزل إلا من سكين، مهاجمة جنود أو مستوطنين، لينتهي بهم المطاف إلى الاستشهاد برصاص الاحتلال أو الاعتقال. ونتيجة لهذه الهجمات، قتل 243 فلسطينياً منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 2015، فيما قتل 40 إسرائيلياً. الاعتقال الإداري و «الأمعاء الخاوية» لم يكن أمام الأسرى الذين اعتقلتهم إسرائيل إدارياً، من دون تهم أو محاكمة، سوى خوض معركة «الأمعاء الخاوية» من أجل الخلاص، أي الإضراب عن الطعام حتى الشهادة أو إطلاقهم، ومنهم الصحافي محمد القيق (63 يوماً)، وبلال كايد (71 يوماً)، وأحمد البلبول وشقيقه محمود البلبول (66 يوماً)، ومالك القاضي (70 يوماً)، وأخيراً الأسيران أنس شديد وأحمد أبو فارة (90 يوماً)، وجميعهم أوقفوا إضرابهم عن الطعام بعد اتفاق مع إسرائيل على عدم تجديد اعتقالهم إدارياً. وفي هذا العام، أصبحت ديما الواوي (12 سنة) أصغر أسيرة بعد اتهامها بمحاولة تنفيذ عملية طعن. وبالمجموع، بلغ عدد الأسرى الإداريين 750 أسيراً في الأشهر التسعة الأولى من العام، إضافة إلى اعتقال 25 صحافياً. وقالت إسرائيل إنها اعتقلت في أول 8 أشهر من العام 1730 مشتبهاً به، و55 خلية تابعة لحركة «حماس». زمن المقاطعة الدولية في ظل الجمود في عملية السلام، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية بسبب الانشغال الإقليمي والدولي بملفات ساخنة كثيرة، مثل سورية والعراق واليمن، اكتسبت حملات المقاطعة الدولية زخماً متزايداً باعتبارها ساحة أخرى للنضال تُبقي القضية الفلسطينية حية على المستوى العالمي، وتفضح الصورة العدوانية لإسرائيل وسياساتها، وفي الوقت نفسه تمثل نقطة التقاء وتوافق بين كل الفصائل الفلسطينية، كما توفر ساحة للتضامن الدولي مع فلسطين. وتؤرق هذه الحملات إسرائيل كثيراً، أولاً بسبب هذا التجاوب الشعبي العالمي مع نضالات الفلسطينيين، وثانياً بسبب ما ألحقته بالاقتصاد الإسرائيلي من ضرر، إذ كلفته خسائر بلغت 31 بليون دولار العام الماضي، ما اضطر الحكومة إلى وضع خطة شاملة لمحاربة حملات المقاطعة، كما خصصت لها موازنة ضخمة من 26 مليون دولار. و«حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» (بي دي أس) هي الساحة الأبرز التي يخوض فيها الفلسطينيون وأنصارهم المعارك ضد إسرائيل على الصعيد الدولي، وهي تركز على مقاطعة أو سحب الاستثمارات من الشركات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني وتجارة السلاح. في هذه الساحة، حدثت اختراقات عدة، وعلى رأسها التجاوب الذي لاقته من النقابات العمالية والجامعات والمجالس المحلية والمنظمات الكنسية ومؤسسات الفنون والثقافة، وما رافقها من عرائض وقعها مشاهير تدعو إلى إنهاء الاحتلال. ففي بداية العام، تراجعت فرنسا عن شراء طائرات من دون طيار إسرائيلية نزولاً عند ضغوط «بي دي أس». وأعلن المجلس الوزاري الأوروبي التزام الاتحاد ودوله التقيد بالترتيبات الخاصة بوسم منتجات المستوطنات، وبدأت سلطات الجمارك الأميركية أيضاً بوسم منتجات المستوطنات. كما أعلن صندوق التقاعد التابع للكنيسة الميثودية، أكبر طوائف أميركا، وقف التعامل وسحب الاستثمارات من 5 بنوك إسرائيلية لدورها في مشاريع الاستيطان. وصادق مجلس حقوق الإنسان بالغالبية على مشروع يحدد قائمة سوداء بالشركات التي تتعامل مع المستوطنات. وأقام ناشطون أميركيون من أصول فلسطينية دعوى قضائية ضد الأثرياء الداعمين لإسرائيل. وانضمت الحركة المدنية الاجتماعية الاحتجاجية «حياة السود مهمة» إلى مقاطعة إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري. كما أغلقت شركة «جي فور أس» مكاتبها في إسرائيل بفعل حملات المقاطعة. وانتهى العام بقيام «حملة التضامن مع فلسطين» بمقاضاة الحكومة البريطانية بسبب القيود التي وضعتها على سحب الاستثمارات من شركات متورطة في انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني. وكان لافتاً تقرير حقوقي فلسطيني أفاد أن الجرافات الإسرائيلية هدمت أكثر من 120 منشأة أوروبية التمويل في الضفة في الربع الأول من العام، وآخر أشار إلى هدم أو مصادرة 600 مبنى في الضفة بعد تحرك الاتحاد الأوروبي لوسم منتجات المستوطنات. «ديبلوماسية التدويل» وعلى المستوى الرسمي الفلسطيني، جاء الرد على الجمود في عملية السلام وسياسات الاحتلال، من خلال اعتماد «ديبلوماسية التدويل»، أي العضوية في المؤسسات الدولية أو تحصيل الاعتراف بفلسطين، أو مقاضاة إسرائيل، فحصلت السلطة على اعتراف رسمي من الفاتيكانبفلسطين مطلع العام، ثم سجلت انتصاراً ديبلوماسياً مهماً على إسرائيل في «منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (يونيسكو) عندما تم اعتماد مشروعيْ قرارين ينفيان صلة اليهود بالحرم القدسي وحائط البراق، ويستخدمان الاسمين الفلسطينيين والإسلاميين بدلاً من «جبل الهيكل» وحائط المبكى. وخلال العام، أودعت 4 منظمات أهلية تعنى بحقوق الإنسان في فلسطين مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وضد الإنسانية في رفح مطلع آب (أغسطس) عام 2014. ومنعت إسرائيل الجنائية من دخول أراضيها، ما دفع الوفد إلى استدعاء مسؤولين وفنيين فلسطينيين للاجتماع بهم في عمان. كما أطلقت البعثة الفلسطينية في المملكة المتحدة حملة واسعة لمناسبة مئوية «وعد بلفور»، وطالبت الحكومة البريطانية باعتذار رسمي وتحمّل مسؤوليتها عن هذا الوعد الذي منح اليهود وطناً قومياً لهم في فلسطين، على أن يكون الاعتذار مربوطاً بالاعتراف بدولة فلسطين. «البيت الفتحاوي»... والمصالحة شهد الوضع الداخلي تأزماً كبيراً في ملفين هما الخلافات داخل البيت «الفتحاوي»، والانقسام الوطني بين «فتح» و «حماس». ففي الملف الأول، عقدت «فتح» مؤتمرها العام السابع الذي أعاد تشكيل القيادة الفلسطينية، وأعطى تفويضاً للرئيس محمود عباس في نهجه السياسي، واستبعد خصومه، خصوصاً القيادي المفصول من الحركة بتهم الفساد النائب محمد دحلان وأنصاره. على أن استمرار الانقسام الوطني ولد حال إحباط ولا مبالاة ويأس فلسطينية من القيادتين في رام الله وغزة. وعلى أهمية هذا الملف، إلا أن مساعي المصالحة بين حركتي «فتح» و «حماس» كانت محدودة وغير جدية، مثل المبادرة التي أطلقها المجلس التشريعي مطلع العام، ولقاءات قطر في شباط (فبراير)، ثم التحرك السويسري للمصالحة في نيسان (أبريل)، قبل أن تعقد مشاورات بين «فتح» و «حماس» في أيار (مايو) لتشكيل حكومة وحدة تقوم بالإعداد للانتخابات. وسط هذه الأجواء، جاءت «مبادرة شلّح»، الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» رمضان شلّح كبرنامج إصلاحي شامل يسهم في الخروج من المأزق الوطني، من خلال الدعوة إلى إنهاء الاحتلال، وإلغاء اتفاق أوسلو، وإنهاء الانقسام، وتعزيز الصمود، وملاحقة إسرائيل دولياً.