"نحن لا نتفاوض مع الإرهابيين". يقول موقع "سي أن أن" الإلكتروني في تحقيق نشره قبل يومين أن الحكومة الأميركية تستخدم هذه الجملة منذ فترة طويلة للإمتناع عن التعليق عندما يتعلق الأمر بالمتطرفين الإسلاميين. لكن في هذه الأيام، تتحدث الحكومات الى الجهاديين عبر شبكة وسائل التواصل الاجتماعية. ففي السنوات الأخيرة، أطلقت وزارة الخارجية الأميركية جهوداً على وسائل التواصل الاجتماعي لإشراك الجهاديين والمتعاطفين معهم عبر الإنترنت، في محاولة لتفهم مطالبهم بقصد ثنيهم عن التطرف. ويقول منسق مركز وزارة الخارجية لمكافحة الإرهاب الاستراتيجية للاتصالات (CSCC) البرتو فرنانديز، المسؤولة عن البرنامج، "إننا نمنح عناصر القاعدة أفضلية الشك لأننا نجيب على حججهم، وأرى اننا بهذه الطريقة نتشارك في سوق للأفكار، وهذه السوق أصبحت الآن على شبكة الإنترنت، لكن الزوايا المخصصة للأحاديث المتعلقة بالفكر الاسلامي المتطرف يمكن أن تكون سريالية، صاخبة، وأحيانا مرعبة". كان تركيز جهاديي العالم على الازمة السورية كبيرا الى درجة لم يشهدها اي نزاع من قبل، وصارت حروبهم الدعائية تشن وتناقش عبر وسائل التواصل الاجتماعية. ويراوح محتوى الحملات ما بين صادم وغريب، فيعمد المقاتلون الى إضافة صور الرؤوس المقطوعة كغنائم من انتصارات ساحة المعركة، أو ينشرون صور ضحاياهم مرفقة بوعيد الانتقام . وظهرت لقطات لكاميرات الهواتف النقالة على مواقع التواصل لتوثّق مختلف الأحداث كالإعدام الجماعي ومناشدة النساء المسلمات القدوم إلى سورية والعثور على زوج بين "الثوّار" الاسلاميين. وعلى تويتر، يعبّر الجهاديون عن أفكارهم الدينية، فيكتب أحدهم "كيف نشاهد كرة القدم وهي تعني رؤية الرجال بساقين عاريتين؟" وتنتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم رسائل تكتب غالباً بلغة الإنترنت المختصرة، بين شبكة متنوعة من الجهاديين وأنصارهم والصحافيين والمحللين والفضوليين. وبهذه الطريقة، أصبحت وسائل الاعلام الاجتماعية ممراً رئيسياً لتحفيز الناشئين المتطرفين على حمل السلاح . ونشر باحثون في جامعة "كينغز" في لندن دراسة أظهرت كيف أن دعاة متشددين مقيمين في الغرب ولهم نشاط بارز في وسائل الاعلام الاجتماعية، دفعوا مجموعات واسعة من المسلمين الغربيين الى القتال في سورية، حيث يقَّدرعددهم بنحو ربع الجهاديين الأجانب الاحد عشر الفا في سورية. ورداً على هذا التهديد، صارت حكومة الولاياتالمتحدة توجه "رسائل " باللغة العربية والأوردية والصومالية منذ ثلاث سنوات في محاولة لإختراق "غرف صدى" الفكر الجهادي بافكار مناوئة. واتاح إطلاق حساب خاص على "تويتر" لردود الفعل باللغة الإنكليزية في كانون الأول (ديسمبر)، الفرصة للصوت المشاكس الجديد في المحادثات، ما لفت الانتباه المتزايد الى الإسلاميين واثار الدهشة، وخصوصا في الغرب. وأدى هذا التطور إلى مشاحنات علنية بين حكومة الولاياتالمتحدة والجهاديين والمتابعين لهم وفق أفكارهم الأيديولوجية على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا في مواضيع الحرب السورية والحرب على الإرهاب وصراع الحضارات، تمثلت في "رشقات نارية" من 140 حرفاً. ومن النماذج التي سجلت في الآونة الأخيرة على موقع "تويتر"، قيام أحد المغردين الموالين للحركات الجهادية بتسجيل إعجاب بصورة لبوذا في باميان دنس، أحد التماثيل الضخمة في أفغانستان التي دمرتها حركة طالبان في العام 2001، فغرّد حساب CSCC إن "تدمير الثقافة القديمة هو عمل من الكراهية والتخلف وهي سمة من سمات فكر تنظيم القاعدة". وسخر مغرّد اسلامي من "البكاء على ما يسمى الثقافة القديمة حين لا يكون طعام ويموت الأطفال من الجوع"، فرد حساب وزارة الخارجية مغرداً ان "نقص الغذاء في أفغانستان سببه سياسات طالبان الكارثية". وعلق مستخدم آخر على تغريدة وزارة الخارجية، قائلاً "القاعدة قصفت روضة أطفال ومدرسة باموالكم ومدافعكم". ورفض بعض المراقبين جهود وزارة الخارجية الأميركية التي أجريت تحت شعار "فكر مرة أخرى، وابتعد". وأطلق الصحافي جوناثان كروهن، مع زميل له حساباً على "تويتر" ومحمّل صوتيات "Podcast" مخصص للجهاديين، يشهد أحياناً مشادات مع حساب وزارة الخارجية الذي وصفه بأنه "كمين" او "مصيدة" . وقال كروهن، "إنها وسيلة مثيرة للضحك"، مضيفاً "انهم يستهدفون الصحافيين والمحللين بالقدر ذاته الذي يهاجمون به الجهاديين"، فيما يقول آخرون أن الجهود تنجح في " الدخول الى عقول" كبار المتشددين الاسلاميين. ويقول ويل مكانتس، أحد علماء الإسلام المتشددة في "معهد بروكينغز" الذي شارك في إعداد CSCC، انه "لسنوات عدة، كانت القاعدة في صلب اهتمام حكومة الولاياتالمتحدة التي اصبحت حساسة جداً لأي نقطة يثيرها التنظيم". وأضاف "شعرت انه ليس هناك سبب لعدم رد الجميل، فكلما تمكنا من جعلهم يفكرون في هذه النقاط، كلما تمكنا من تدمير صدقيتهم والتاثير على سلوكهم". ويرفض سفير الولاياتالمتحدة السابق في غينيا الاستوائية ألبرت فرنانديز تسمية مواقع وزارة الخارجية الأميركية بال "مصيدة" قائلاً ان "بعض الأشخاص يستخدم هذه التسمية لأنها طريق مختصر لتكوين علاقة عدائية، فبالنسبة الي المخادع هو شخص مزعج وغبي، ونحن لا نشبه هذا التوصيف لأننا نرد على اتهاماتهم بالحقائق". وقال فرنانديز "الأشخاص الذين يدرسون الإنترنت أكثر مني، ذكروا أن أمرين إثنين يحفزان الناس بشكل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، هما الكوميديا والغضب". وأضاف "دعونا نواجه الأمر، إذا كنا نتحدث عن تنظيم القاعدة، ستكون هذه التجربة سلبية بالطبع". ان دخول معمعة وسائل التواصل الاجتماعي للمجادلة مع الإرهابيين قد يتطلب نقلة نوعية كبيرة من قبل الحكومة الأميركية. فالموقف الافتراضي لم يكن ليرفع من شأن المتطرفين من خلال الردود. لكن تدريجياً، أدركت الحكومة الأميركية أن ذلك كان مجرد تسليم الأرض لخصومها وفق تعبير فرنانديز. وأضاف أن تنظيم "القاعدة" يميل إلى الإزدهار في "المساحات غير المحكومة من العالم"، مثل الصحراء أو مناطق في الصومال أو اليمن أو سورية، والإنترنت هو أيضاً مساحة غير محكومة، وبالتالي فهو مساحة حرة لهم لإستغلال الفرص. واعترف "القاعدة" علناً منذ فترة بالأهمية الحاسمة للدعاية في ترويج قضيته، وقال على لسان زعيمه أيمن الظواهري انه خاض "اكثر من نصف" معاركه لكسب قلوب المسلمين وعقولهم من خلال وسائل الإعلام . كان الهدف أيضاً بحسب فرنانديز، جعل "الحياة أكثر صعوبة بالنسبة الى المتطرفين، فمن السهل جدا أن تكون قادرا على قول ما نريد بدون ان يعارضنا أحد" . لكن الدراسات تبرز أوجه القصور المحتملة لهذا النوع من العمل، فالرسائل المضادة يتم تجاهلها ببساطة، فهل ينجح المشروع بما فيه الكفاية لتبرير توظيف 50 شخصاً بميزانية تقارب 5 ملايين دولار في السنة؟ يقول فرنانديز ان ردود الفعل كانت إيجابية، وسيواصلون العمل، على الرغم من صعوبة تحديد النتائج بموضوعية، مضيفاَ "لن نعرف مدى فعاليته إلا إذا قالوا: رأينا الأشياء التي تم تحميلها، وقررنا أن لا نصبح إرهابين. وعلى الأرجح لن نصل الى هذا". وتنشط الحملة بالفعل عبر مواقع "تويتر" و "فايسبوك" و "يوتيوب"، وستنتشر على جميع وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى التي ينشط فيها جهاديون.