لم تشأ سفارة المملكة العربية السعودية واللجنة اللبنانية لليونسكو أن يمر «اليوم العالمي للغة العربية» والمصادف في 18 الجاري، من دون أن تحتفلا به فأقامتا للمناسبة ملتقى ثقافياً تحت عنوان «النهوض باللغة العربية - دور البعثات الديبلوماسية في النهوض باللغة العربية»، في مقر السفارة بالحمراء، في حضور وزير الثقافة روني عريجي، وسفير السودان علي صادق علي وسفير الجزائر أحمد بوزيان، وممثلين عن سفارات الإمارات، الكويت والمغرب. قدمت الاحتفال رئيسة جمعية «بالعربية» الناقدة سارة ضاهر، وألقى القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري كلمة السفارة، فأشار إلى أن «اللغة العربية لغة ضاربة الجذور في التاريخ وتعد من أقدم اللغات الحية ذات الموروث الحضاري والثقافي والروحي. وقد أصبحت العربية اليوم واحدة من أكثر اللغات انتشاراً في العالم بحيث جعلتها هيئة الأممالمتحدة واحدة من بين ست لغات عالمية يتم التعامل بها رسمياً في الهيئة والمنظمات التابعة لها». وأضاف: «تعد السعودية من أنشط الدول وأبرزها اعتناء باللغة العربية والارتقاء بتعليمها كمّاً وكيفاً للناطقين بها وبغيرها». ولفت إلى أن «المملكة وظفت جهودها لإدخال العربية ضمن لغات العمل الرسمية المعتمدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1973. وأن مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية هو من أبرز المراكز التي تمثل السعودية خير تمثيل في الانتماء الديني واللغوي، وفي نشر اللغة العربية في أنحاء العالم». وقال: «لا نقاش في أن اللغة العربية تعد بحق، أعظم كنز لحفظ تراثنا، ولا تستغني حياتنا الحاضرة عن تلك الأداة اللغوية التي تشرح أهدافنا وهويتنا وحاجاتنا وأوضاعنا في الميادين المختلفة. اللغة العربية هي من أهم عناصر الهوية، والتفريط بها تفريط بهويتنا التاريخية وقيمنا الثقافية»، لافتاً إلى أن «كلما اهتم الإنسان العربي بلغته، كان ذلك دليلاً على قوته ونهضته وأصالته». ثم تحدث رئيس اللجنة اللبنانية لليونسكو الأكاديمي هنري العويط، فأعرب عن سعادته بالشراكة مع السعودية لتنظيم هذا الملتقى، وقال: «إن دواعي اغتباطنا بهذه الشراكة كثيرة، وفي مقدمها العلاقات التاريخية الوثيقة والوطيدة التي تربط بين بلدينا وشعبينا. وأضاف: «إن تنظيم هذا الملتقى يندرج في سياق ثقافة التعاون التي تؤمن بها لجنتنا إيماناً راسخاً، وتدعو إلى نشرها وتعميمها في جميع الأوساط، وإلى ترجمتها في شتى المجالات. فنحن نعرف حق المعرفة أن لا طاقة لأي طرف، مهما عظم شأنه واتسع حجم قدراته، على أن يتصدى بمفرده للتحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهها دولنا ومجتمعاتنا عامة، وبصورة خاصة في كل ما يتصل بمهمة النهوض باللغة العربية». ورأى أن «الجميع يلتقي أيضاً على وعي خطورة ما يحدق بالعربية، في زمن العولمة والتقدم التكنولوجي، من أخطار خارجية وداخلية تضعف من مكانتها وتتهدد ديمومتها، وعلى إدراك مكامن الخلل في مناهجها وبرامجها التعليمية، وما يشوب طرائق تدريسها من قصور. واللجنة الوطنية اللبنانية أولت باستمرار هذا الملف ما يستحقه من عناية واهتمام، وخير دليل على ذلك المؤتمرات والندوات وورش العمل التي نظمتها، والأبحاث والدراسات التي أصدرتها، وتناولت فيها مجموعة كبيرة من قضاياها وشؤونها وشجونها». ولفت إلى أن «النهوض باللغة العربية الذي اختاره منظمو هذا الملتقى عنواناً للندوة، هو مهمتنا جميعاً، إن كنا حقاً نحب لغتنا نحرص عليها. صحيح أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق وزارات التربية والتعليم والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو)، ولكن ينبغي أن يضطلع بأعبائها ومقتضياتها وتبعاتها المدارس، والمعلمون والأساتذة، ومؤلفو الكتب، والجامعات، ومراكز الدراسات والأبحاث، واللجان الوطنية العربية لليونسكو، ووسائل الإعلام وهيئات المجتمع المدني ومؤسساته. وقال: «عندما نستعرض ما تطلقه الملحقيات الثقافية الأجنبية في لبنان، وفي طليعتها المركز الثقافي الفرنسي، والمعهد الإسباني، والمعهد الإلماني والمركز الثقافي البريطاني من برامج، وما تقوم به من أنشطة، من أجل تعزيز انتشار لغات بلدانها. نتطلع بالكثير من الأمل ومن الثقة إلى الدور الكبير الذي تستطيع البعاث الديبلوماسية العربية أن تقوم به في مجال المشاركة في مسيرة النهوض باللغة العربية. وغني عن البيان أن الدور المنوط بها يختلف عن دور البعثات الأجنبية لأنها عربية وعاملة في بلد عربي، ولكنه لا يقل عن دور نظيراتها أهمية». ودعا إلى إطلاق مبادرة تضامنية بين الديبلوماسية والفكر، كاشفاً أن «اللجنة هي على استعداد للتعاون إلى أقصى حد من أجل النهوض باللغة العربية»، وأمل ب «ألا يقتصر الاهتمام باللغة على يومها هذا، بل أن يكون منطلقاً لعمل يومي متواصل ومتجدد ومستدام. فنحن جميعاً، حكاماً ومواطنين، مجموعات وفرادى معنيون بواقع اللغة العربية، مسؤولون عن نهضتها، ومؤتمنون على مستقبلها. فأرجو أن نكون على مستوى المسؤولية، وأوفياء للأمانة». ثم قدم البخاري درعاً تقديرية إلى عريجي لجهوده المتواصلة من موقعه للنهوض باللغة العربية وللحفاظ على التراث والثقافة. كما تم توزيع دروع تقديرية لطلاب تراوحت أعمارهم بين 14 و18 سنة لفوزهم عن الفئات الآتية: فاطمة حيدر (تأليف مقالة)، هادي الضنظ (رسم حروفيات)، مؤمن قبوط (إلقاء)، إياد طوط (تأليف شعر)، عدنان الوزة (مهارات اللغة العربية) وآية خياط (إلقاء). وبعد أن رفع كل من عريجي والبخاري بالونات في سماء بيروت تدعو إلى النهوض باللغة العربية، افتتحت الندوة الفكرية التي أدارتها الأمينة العامة للجنة الوطنية لليونسكو الأكاديمية زهيدة درويش جبور مؤكدة أن «الندوة تتمحور حول أهمية النهوض باللغة العربية في زمن التكنولوجيا والإنترنت»، مشيرة إلى أن «اللجنة والسفارة تحرصان على معالجة المشكلات التي تطرأ على اللغة العربية». ثم تحدث الشيخ محمد النقري من جامعة القديس يوسف، عن أسباب اضمحلال اللغة العربية في زمن العولمة. ودعا إلى «اتخاذ الإجراءات اللازمة من جهة الوزارات والإدارات لجعل العربية اللغة الوحيدة المستخدمة في معاملاتها»، كما حضّ المؤسسات التجارية والإعلامية والإعلانية إلى «اعتماد اللغة العربية في المجالات كافة وفي شكل حصري، إضافة إلى دعوة الشباب إلى الانتماء إلى مجامع اللغة العربية للنهوض بها والحفاظ عليها». وقدم الناقد لطيف زيتوني من الجامعة اللبنانية - الأميركية عرضاً حول إشكالية «متى ستكون اللغة العربية لغة أماً؟». ورأى أن «بعض الأبحاث أشارت إلى أن 90 في المئة من اللغات ذاهبة إلى الزوال ولن يبقى سوى بعض اللغات العالمية»، مؤكداً أن «الأخطار الحقيقية داخلية وليست خارجية وتكمن في الأمية والتخلف والعمل على تطوير مناهج التعليم، إضافة إلى أن أقوى طبقات الشعب تستخدم اللغة العامية حتى في المعاملات الرسمية». وسأل: «كيف يمكن اعتبار اللغة العربية لغة أماً في بلاد عربية تنتشر فيها الأمية بنسبة 60 في المئة؟»، منوهاً بدور الأهل في تعليم الطفل اللغة الأم، ومسلطاً الضوء على «عجز بعض المدارس الابتدائية في تعليم التلاميذ لغة صحيحة لافتقادها وسائل تعليم مناسبة ومعلمين متدربين، وعلى الصراعات السياسية وأحوال التعصب التي تبدد أموال الأمة العربية وتسبب هجرة طاقاتها البشرية». ثم ألقى مصطفى حلوة من الجامعة اللبنانية كلمة تمحورت حول جدل اللغة والتشكيل المعرفي، وقدم قراءة عن نصوص تناظرية بين العربية الفصحى ولغات التواصل الاجتماعي. وأخيراً تحدث رئيس جامعة الجنان الإسلامية بسام بركة عن أهمية استخدام الترجمة سبيلاً إلى النهوض باللغة العربية. وسأل: «هل الترجمة إثراء أم استيلاء؟». وركز على أن «البعض يعتبر الترجمة هيمنة للثقافات الأجنبية على العربية»، مؤكداً أن «الترجمة ذات أهمية بالغة، ولهذا أنشأت المراكز والمؤسسات المختصّة بالترجمة من وإلى اللغة العربية في العالم العربي». ولفت إلى أن «دول الخليج حرصت على تخصيص مساعدات وجوائز سخية للدفع بعجلة الترجمة إلى الأمام».