هل ما زالت اللغة العربية في خطر؟ وإلى أي مدى وصلت لغة كانت في يوم من الأيام عالمية؟ سؤال يجعلنا فعلاً نفكر مليًّا بأن لغتنا حاليًا بحاجة لكثير من العمل للحفاظ عليها، خاصة وأن التحديات تزداد كل يوم، لا سيما إذا أخذنا في اعتبارنا تحديات تكنولوجيات العولمة التي تتوعد بما لا يمكن أن يتصوّر. ولكن هل من ضرورات التحدي أن نعيد النظر في نظم التوليد العربية من مجاز واشتقاق، ونحت وتعريب، وارتجال لنقيس مردودها الحاضر، ولنوسع فيها بالتجوز في مستوى صيغها وأشكالها، سواء في مستوى الصرف، أو النحو، أو البلاغة، أو الأسلوبية، لنحركها عملاً بقولة المازني: «ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب»؟ لقد كانت اللغة العربية دائمًا مقترنة بالنص القرآني، وهو الحافظ لها، لكنه لم يكن يمثِّلُ عائقًا أمام تطوّرها، وكانت دائمًا لغة تستفيد من المنجزات المعاصرة. وكانت قادرة على ولوج فضاءات تعبيرية، وآفاق جمالية، وعوالم جديدة تتباين فيما بينها تشكيلاً ورؤيةً. أمّا التراث فكان المكون الثاني في قيم الثبوت فيها، واستطاعت سابقًا العربية أن تتجاوز المحنة التي تعرّضت لها الأمة عندما نشبت الصّراعات العرقية بين العرب والعجم، فلاذت بالدّين، واعتصمت بحبله، وجعلته إطارًا شاملاً للأعراق والأُمم، علاوةً على فاعلية العربية في توطيد الأمن الثقافي الذي نشأ بين ثنائية العربية والإسلام، والعربية والمسلمين إذ أصبحت العربية، في هذه الحالة، صمامَ أمان يحولُ دون وقوع المواجهات الاجتماعية غير المتجانسة دينيًّا وعرقيًّا. فكان ما أنجزته العربية من ثوراتٍ وطفراتٍ في العلوم والمعارف والفنون والآداب، وما حققته الأمة من فتوحات وامتدادٍ وانتشارٍ يمثِّلُ دوافع إضافية في اكتشاف حيوية اللغة العربية، ومكامن إبداعها ورصيد حضورها. ولكن مع تصاعد الأخطار حاليًّا على هذه اللغة تبرز محاولات دائمًا للبحث عن أسباب الضعف والانحدار التي تشهده هذه اللغة، ودمشق على مدار العام السابق 2009 شهدت العديد من المؤتمرات والندوات حول موضوع اللغة العربية، وما تعانيه من إشكاليات كان آخرها ندوة عربية بعنوان “مرصد اللغة العربية حول آفاق التعريب” التي أقامتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب تنسيق التعريب وجمعية الدعوة الإسلامية في ليبيا، بالتعاون مع مجمع اللغة العربية، والمركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر في دمشق. وكان الغاية من هذه الندوة إبراز التحديات التي تواجه اللغة العربية كغياب السياسة اللغوية، والتخطيط اللغوي، ووجود الفجوة بين دساتير الدول العربية، وما يمارس على أرض الواقع بهذا الخصوص. وعن آثار عدم توفير الحوافز المادية والمهنية لمعلّمي اللغة العربية، وسيطرة اللهجات المحلية، والدور السلبي للعمالة الأجنبية، والألعاب الإلكترونية، كما تم التركيز في الندوة على واقع اللغة العربية وآفاق تطويرها من خلال التعامل مع التقينات الحديثة للنهوض والارتقاء بها، وتحديد أهم الصعوبات التي تعترضها وطرق تجاوزها. ولعل أهمية هذه الندوة كان في توضيح الرؤية المتكاملة لواقع اللغة العربية، ووضع المصطلحات العلمية العربية الموحدة إضافة إلى استثمار التقينات الحديثة في خدمة قضايا اللغة العربية. فقر الوسائل وحول هذا الموضوع والإشكاليات التي تعاني منها اللغة العربية خاصة مع انعدام التقنيات الخاصة في تعليمها وتثبيتها تحدث الدكتور محمود السيد نائب رئيس مجمع اللغة العربية ووزير الثقافة السوري السابق قائلاً: هناك قصور في مجال استخدام التقانات الحديثة في تعليم اللغة العربية بسبب التأخر في الوطن العربي، وارتفاع نسبة الأمية وفقر الوسائل المتبعة في تعليم اللغة العربية، إضافة إلى ضآلة المحتوى الرقمي. وعن سبل الارتقاء بواقع اللغة العربية في مختلف مجالاته أضاف الدكتور السيد: من خلال احترام ما تنص عليه دساتير الدول العربية نرتقي من حيث اعتماد اللغة العربية الفصيحة كاللغة الرسمية والتخطيط اللغوي الجيد على المستوى القومي والإقليمي والخاص، وتيسير وصول الكتب المترجمة والمؤلفة إلى أيدي القراء في الوطن العربي بأرخص الأسعار، ودعم حركات التأليف والنشر باللغة العربية، إضافة إلى تبني النظرة الحديثة للمنهج وتجريبه قبل تعميمه ومواكبة المستجدات العلمية والتقنية والجمع بين الأصالة والمعاصرة. قضايا التعريب وبما أن الإشكاليات الخاصة باللغة العربية قد نجدها في دول المغرب بشكل أكبر تحدث لنا عن هذا الموضوع الدكتور عبدالرحمن الحاج صالح رئيس مجمع اللغة العربية في الجزائر عن قضايا التعريب في دول المغرب. العربي عامة والجزائر خاصة قائلاً: إن استخدام اللغة العربية في جميع الميادين هو من أسباب حيويتها ونموها وترقيتها، وأن استعمالها في كسب المعرفة أصبح ضروريًا اليوم. والجزائر عملت في هذا المجال على إنشاء مركز وطني لترقية اللغة العربية والقيام ببحوث علمية، وإنشاء مركزًا أعلى للغة العربية بهدف متابعة حركة توسيع استعمالها في الإدارات خاصة والوقوف على المشاكل المطروحة في مساعيها وإيجاد الحلول لها. وإن أقطار المغرب العربي عامة عاشت وضعًا لغويًا متأزمًا بسبب فرض اللغة الفرنسية في كل مجالات الحياة وفي مقدمتها التعليم وكثرة المصطلحات المقترضة من اللغات الأجنبية الحديثة، وطريقة الترجمة الحرفية إلى التلقائية التي لا تراعي الخصوصيات الثقافية واللغوية، وتحول جميع المواد العلمية إلى اللغات الفرنسية. وأشار الدكتور إلى ضرورة حماية اللغة العربية وتطويرها وفق متطلبات العصر باعتبارها رافعة اقتصادية وتنموية، ووعاءً ثقافيًّا وفكريًّا. ولفت الدكتور أحمد علوي حسني أطلس رئيس جمعية اللسانيين المغاربة للارتقاء باللغة العربية لابد من الاهتمام بموضوع الصرف العربي وتسليط الأضواء على المهمل منه الذي أسهم في إضعاف المقدرة على وضع المصطلحات العربية منها، وتحديد المعاني الصيغية لها، وفتح باب المصطلح العربي بشكل أوسع، وإصلاح الأدوات المستعملة ووضع صرف عربي أشد صدقًا لتمثيل اللغة العربية بشكل صحيح.