الأرجح أن شيئاً لم ينجح في تهدئة الأمواج المتلاطمة في العلاقة بين السيد المقبل للبيت الأبيض وشركات المعلوماتية الكبرى التي تشكّل القاطرة الفعليّة لثورة المعلوماتية والاتصالات المتطورة. تتحرّك تلك الأمواج بفعل التضارب الصارخ بين البعد المعولم بالضرورة لشركات المعلوماتية واستنادها بكثافة إلى الأدمغة المهاجرة من جهة، وبين بليونير العقارات المصرّ على سياسة حمائيّة ومعادية للمهاجرين، تشكّل النقيض التام لتلك الشركات. ثمة ما لم تنجح في حلحلته الفخامة الباذخة للطابق ال 25 في برج ترامب في نيويورك، ولا حضور رمز من وزن الأكاديمي المعلوماتي بيتر ثاييل، وهو وجه معروف تتعامل معه إيجابيّاً شركات «وادي السيليكون» الأميركي (مهد المعلوماتية وابتكاراتها) باعتباره من مؤسّسي شركات أساسيّة ك «باي بال» و «آمازون»، بل أنه ساهم مالياًّ في إطلاق «فايسبوك». وكاد اللقاء الذي جمع ترامب ومديري الشركات الكبرى في المعلوماتية يتحوّل فشلاً تاماً، لولا ثاييل المثابر على تحفيز الشركات على الابتكار، وبيل غيتس مؤسّس «مايكروسوفت». وعلى رغم أن غيتس لم يحضر ذلك الاجتماع مباشرة، إلا أنّه التقى ترامب في توقيت قريب منه. وترجع خيوط الود بين غيتس وترامب، إلى الحرب الشهيرة التي دارت بين الرئيس بيل كلينتون ومدير «مايكروسوفت» بيل غيتس (حرب البيلّين)، على امتداد معظم الولاية الثانية لكلينتون في أواخر التسعينات. وآنذاك، حاول كلينتون استخدام قانون «شيرمان» لمكافحة الاحتكار، كي يفكك الشركة العملاقة «مايكروسوفت». وبعدها، موّل غيتس حملة جورج بوش الابن ضد آل غور، نائب كلينتون. وفي حملة ترامب، وقّعت غالبية الشركات الكبرى في المعلوماتية بياناً أعربت فيها عن رفضها سياسة ترامب، لكن «مايكروسوفت» لم تكن من بين الموقّعين عليه. بعد لقائه ترامب، دعاه غيتس إلى التشبه بالرئيس الديموقراطي جون كينيدي في دعم مغامرة اكتشاف الفضاء، وتحديه الاتحاد السوفياتي في سباق الوصول إلى القمر. ولعل أذناً لم يرقها نداء غيتس المبطن بالتأييد لترامب، أكثر من البروفسور بيتر ثاييل الذي يدرّس المعلوماتية في جامعة «برنستون». لماذا؟ لأن مغامرة ارتياد الفضاء هي بالضبط ما يريد ثاييل لشركات أميركا أن تسير على خطاها. وفي كتابه الشهير «من صفر إلى واحد»، نعى ثاييل الفقدان التدريجي لروح الابتكار المتوثّب في شركات المعلوماتية الكبرى، وميلها إلى الاستقرار. وحضّ شباب أميركا على هجران الطرق السهلة في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، والانتقال إلى الابتكار النوعي. «لماذا لا تصنعون «فايسبوك» جديداً، أو تؤسّسون «آبل» جديدة، بدل السعي إلى التوظيف لدى الشركتين»؟ بمثل تلك الرؤية يتعامل بيتر ثاييل مع المعلوماتية. والأرجح أن شيئاً كثيراً من رؤيته فاض أثناء الاجتماع الذي حضره بوصفه مستشاراً غير رسمي لترامب في المعلوماتية. ومن بين المديرين الذين حضروا الاجتماع، ربما لا تنطبق رؤية ثاييل حاضراً إلا على إيلون ماسك، العقل المؤسّس لشركات تسعى إلى الخوض في ما لا يجرؤ عليه الآخرون، كشركة «سبايس إكس» التي سجّلت سبقاً في صنع صواريخ لمركبات الفضاء تكون قابلة لإعادة الاستخدام. وفي المقابل، لا يؤثر عن ماسك تأييده لترامب، وهو حال معظم من التقاهم ترامب، كتيم كوك (مدير «آبل») وشيرلي ساندبرغ (نائبة رئيس شركة «فايسبوك»، وهي شركة اتهمها ترامب علناً بالوقوف ضدّه)، وسافرا كاتز (من شركة «أوراكل» الشهيرة في قواعد البيانات) وغيرهم. وفي العمق، تعقد شركات المعلوماتية أقوى رهاناتها على تقنية «حوسبة السحاب» Cloud Computing التي تفترض انتقالاً فوريّاً للمعلومات والبيانات عبر الكرة الأرضيّة، وهو ما يتعارض مع حمائية ترامب. وفي مطلع السنة الحالية، أبرمت إدارة أوباما معاهدة مع «الاتحاد الأوروبي» عن حرية انتقال البيانات، عرفت باسم «درع الخصوصيّة»، بل إن الأمر كان أقرب إلى فرضها عبر «حرب مكتومة» بين ضفتيّ الأطلسي، على الأوروبيّين الذين ألغوا في أواخر 2015، «معاهدة الملاذ الآمن» التي كانت تضمن انتقال البيانات بحريّة. وتشتهر «آبل» بأن مصانعها الرئيسيّة نُقِلَت إلى الصين التي تعطيها يداً عاملة مدربة ورخيصة وشروط عمل تستنزف العمال لمصلحة الشركة. ويعرف عن «غوغل» أنه أبرم صفقة عن عمله في الصين، تتوافق مع رؤية الحزب الشيوعي الحاكم. ومع ميل ترامب إلى الحمائية والصدام مع الصين، يبدو التلاقي بين الطرفين شبه محكوم بالفشل. وتشكل العقول المهاجرة أزمة اخرى بين الطرفين، وأمرها أوضح من كل نقاش.