لم يحدث يوماً أن التفت إليّ أحد، إلا بعض الصحافيين الباحثين عن موضوعات مثيرة للشفقة، أو محفزة للإرادة، كذلك لم ينتبه إليّ إلا بعض غريبي الأطوار الذين يثيرهم الفضول لمعرفة سبب صمتي. شقية جميلة أنا، على رغم زحف سن الأربعين على ملامحي وجسدي. أجلس في مكان عملي، الذي لا يأتيه إلا الرجال، أتأهب دائماً بنشاط، فهم يفضلونني غير فضولية، ولا أطلب منهم فوق طاقتهم، علاوة على نظافة يديّ، لم يُعرف لي صديق. صديقتي الوحيدة تشبهني تماماً، لكنها ليست شقية ولا تنزل من حجرتها التي تسكنها في الدور العاشر فوق سطح إحدى العمارات الكبيرة، نتكلم بلغة لا يميزها أحد غيرنا، لم تكن صدماتي المتكررة في الأحبة يوماً سبباً لإحباطي. أدخل في علاقة رومانسية رائعة، مع رجل لا يدخل مكان عملي، ميزته هي أنني لا ألمس شعره أو وجهه، أخرج معه، يحاول أن يفهمني، ولا أنطق بكلمة وأنا معه، يحسني وأفهمه، يرفض أن يتزوجني، أرحل حزينة، عائدة الى حجرتي الصغيرة التي امتلأت عن آخرها بكل الأشياء الغالية التي أشتريها... ملابس، عطور من أفخر الماركات، أما الهدايا التي تأتيني من زبائني، فأهديها لآخرين يحتاجونها، ولا أحتفظ بها، أنا لا أقبل تلك الهدايا الرخيصة التي يهدونها لي، اعتقاداً منهم أنني «غلبانة»، لا أتكلم وفي حالي، وعلى رغم الحلي الذهبية التي تزين يديّ ورقبتي، وملابسي الغالية التى أرتديها في عملي، إلا أنهم يرونني «غلبانة»، لا أهتم بنظرات الإعجاب الممتزجة بالشفقة على نقصان جمالي، ولن اقبل الزواج بمن تشبه ظروفهم ظروفي. أدخل في علاقة رومانسية جديدة، ويرانا الناس معاً، اعرف ما يقولونه عن فتاة اقتربت من الأربعين ولم تتزوج، دائماً جميلة متأنقة وتحب، أعرف كلامهم من دون أن أسمعه، عرفت بفطرتي ضمائر من ينظرون إلي، وتأكد لي مع الزمن أن الذين يحبون الصمت هم فقط الذين يفهمونني. أعود إلى حجرتي، يتعارك أخي الوحيد معي، يسرق ما كسبته، يطمع في حجرتي، يفتح دولابي، يأخذ ملابسي الغالية ويبيعها، وأشتريها من جديد، صراخي الدائم لن يجدي أبداً، اذهب لشراء شقة جديدة، يحاول صاحبه ان يستغل صمتي، فيزيد عليّ سعر البيت، ويفاجأ بفطنتي، وبأنني اصطحب محامياً محنكاً لا يتكلم أيضاً. حصلتُ على الشقة، انتقلت إليها، يعود إلي أحبتي طمعاً في شقة الفتاة المهجورة من قبل، أرفضهم جميعاً. أعلق صورة أمي. أضع سريراً وخزانة أحشوها بأشيائي الغالية. أفتح التلفزيون على الأفلام الأجنبية المصحوبة بشريط الترجمة، لم أنتبه إلى أنني لم أخفض الصوت حتى آخر درجة كعادتي، إلا عندما طرق بابي أحد الجيران، عرفت من إضاءة الجرس، وعندما فتحت، أشار بعصبية نحو التلفاز، فلم أردّ وذهبت لأخفض الصوت، وعدت لأغلق الباب. منعني من إغلاقه ليشكرني. لم أردّ إلا بإيماءة. فقال: أنا آسف على العصبية. لم أرد. ينظر إليّ وكأنه يشك في أنه يعرفني، ثم يسأل: أنت الخرساء اللي بتشتغل في كوافير سمير؟