أوفى رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي بتعهده الاستقالة من منصبه فور اتضاح النتائج الأولية لاستفتاء تناول إصلاحاته الدستورية، التي رفضها الناخبون بنسبة كبيرة تجاوزت عشرين نقطة مئوية على نسبة مؤيديها. وأتى الفارق الواسع مفاجئاً، بعدما كانت الاستطلاعات أشارت إلى تقارب في النسب بين معسكري ال «نعم» وال «لا». وكما كان متوقعاً انتهزت المعارضة اليمينية المتطرفة الفرصة للمطالبة بانتخابات. وفي كلمة ألقاها أمام وسائل الإعلام فور ظهور النتيجة منتصف ليل الأحد - الإثنين، اعتبر رينزي أنه المسؤول الأول عن هزيمة «أفقدت إيطاليا فرصة تاريخية لإحداث تغيير إيجابي يُقلّل من تكاليف السياسة على الموازنة العامة». وطالب رينزي داعمي وأد الاستفتاء بتقديم بدائل إصلاحية فورية تقود البلاد إلى استقرار سياسي، الأمر الذي اعتبره معارضوه «تحايلاً وإلقاءً لوزر الهزيمة على عاتق المعارضة»، مؤكّدين «خطأ المسار الذي اختاره رينزي للإصلاح الدستوري، باعتبار أن الدستور ملجأ الجميع ولا يُغيَّر إلا باتفاق الجميع، لأن قواعد اللعبة لا تُصاغ من جانب واحد». ورأى مراقبون أن رينزي الذي نفّذ وعده بالاستقالة في حال فشله بتمرير استفتاء الإصلاح، يُستبعد أن يُنفّذ وعداً آخر يتعلق ب «الانسحاب من الحياة السياسية»، بل سيطلق مساراً جديداً لإعادة تنظيم «الحزب الديموقراطي» بزعامته، والذي يتمتع بغالبية ساحقة في مجلس النواب. ولم يُبدِ سلفه سيلفيو بيرلوسكوني، زعيم المعارضة المتوافقة مع رينزي من خارج التكتّل الحاكم، أي موقف فوري حول مستقبل الحكومة المقبلة، فيما احتفل زعيم «رابطة الشمال» ماتيو سالفيني باستقالة رئيس الحكومة، ودعا رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريللا إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكّرة. في الوقت ذاته، اكتفى زعيم «حركة 5 نجوم» الكوميدي السابق بيبّي غريلّو، بتغريدة قال فيها إن «القطار انطلق وسيصل إلى محطّته الأخيرة»، وأناط بالمجموعة القيادية في حركته تفسير هذا الكلام على أن «الحركة بدأت الاستعدادات لتشكيل حكومتها وتأهيل الطاقم الوزاري والإداري لتحمّل المسؤولية» بمفردها، وذلك على أمل تحقيق تقدم على سائر الأحزاب في انتخابات مقبلة، ما يعطيها تلقائياً غالبية برلمانية، بحسب قانون أُقر في عهد رينزي وبات اليوم يشكل عبئاً عليه. وكان رينزي يأمل بإقرار مزيد من التعديلات الدستورية، وذلك بإعادة صوغ مصادر التشريع في إيطاليا وتحجيم دور مجلس الشيوخ والحدّ من صلاحياته وتجريده من حق التصويت على الثقة بالحكومة، وتحويله إلى «غرفة تمثيلية» للمقاطعات الإيطالية ب «سلطة» استشارية فحسب، سعياً إلى تأمين استقرار سياسي أكبر لبلد توالت عليه 60 حكومة منذ عام 1946. في غضون ذلك، أشارت توقّعات إلى احتمال تكليف وزير الاقتصاد والمال بيار باولو بادوان بتشكيل حكومة تدير دفّة البلاد في ظرف صعب اقتصادياً، على أن تنال دعماً من الديموقراطيين واليمين الوسط. وسيبقى رئيس الحكومة المستقيل في منصبه إلى حين تشكيل حكومة ونيلها ثقة البرلمان. وتعاملت أسواق المال مع سقوط حكومة رينزي بحيادية، إذ لم تتأثر بورصات أوروبا الرئيسية بذلك، واكتفت بورصة ميلانو بخسارة ما يزيد قليلاً على نصف نقطة، فيما اقترب فارق السندات العشرية الإيطالية عن البوند الألماني من سقف 180 نقطة، بعدما افتتح صباح أمس ب 178 نقطة، ليهبط في نهاية النهار إلى 170 نقطة.