لقيت مقالة (الديبلوماسي والثقافي... هل يجتمعان؟) تفاعلاً من الأصدقاء وبعض القراء، ممن يشاطرون الديبلوماسيين / المثقفين المشاعر في معاناتهم المحيرة في إرضاء مأمورية الديبلوماسي وضمير المثقف في آن! وأبدى أولئك رغبتهم في لو أني استشهدت بنماذج من ضحايا تلك الثنائية الحارقة. حين تكثر الشواهد يصبح الامتناع عن ذكر بعضها هو المخرج من حيرة الانتقاء. لكننا لن نغفل عما كتبه الأديب الديبلوماسي الراحل غازي القصيبي حول هذه الإشكالية في أكثر من موضع شعري وروائي ونثري، كانت ذروتها الإسقاطات التي وضعها في روايته: (سعادة السفير)، حيث وضع النقاط على الحروف التي كانت معلقة في فضاء النص الذي يراد له أن يكون معبراً عن ازدواجية الانتماء المهني والوجداني. انفجر ضمير القصيبي في تلك الرواية فقال على لسان بطلها، سعادة السفير: «يبدو لي أن في أعماق كل ديبلوماسي جاسوساً حبيساً يتوق الى الانطلاق». ثم لطّف القصيبي من دويّ انفجاره، فقال: «أحياناً يبدو لي أن في أعماق كل إنسان جاسوساً يود أن ينفلت من قيده»! غازي القصيبي لم يجد حلاً للمواءمة بين السفير والضمير، وهذا لا نعني أن السفير عدو الضمير بل الضمير هو عدو السفير!، إذ انهزم وانسحب إلى عمره الجديد الذي يصفه بأنه: «عمري الذي لا تمزقه، كل دقيقة، هاتان الكلمتان المفترستان (سعادة السفير)». الشاعر الديبلوماسي السوداني محمد المكي إبراهيم، الذي تنقّل بين سفارات كثيرة وقصائد أكثر، لم يكن أحسن حالاً من غازي القصيبي، إذ انسحب هو الآخر صارخاً أمام الملأ: «الشعر والديبلوماسية لا يجتمعان في قلب مؤمن»! رغم أنهما اجتمعا في قلب نزار قباني الموجوع دوماً، وشعراء آخرين كثر، حتى لو قيل أن أجمل قصائد نزار هي التي كتبها بعد أن ترك السلك الديبلوماسي إلى السلك الرومانسي. لا ننسى، دوماً، أن مأزق الكاتب اكبر من مأزق الشاعر، إذ الشعراء محميون بأنهم «في كل وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون». لكن من يحمي الكاتب من «الغاوين» الذين يتّبعونه؟! كتب أسامة أمين تعليقاً على فخ الثنائية: «لا ينبغي أن يمثل الدولة كائن لا رأي له». لكن ما هي الحدود التي ستقبلها الدول الموقرة لرأي ذلك الكائن؟ هذا هو السؤال! أخشى أننا سنظل نبحث عن مخرج ... ثم نعود إلى المخرج الذي ذكرته آنفاً بأن «البديل والمتاح هو التوقف عن الكتابة إلى حين التوقف عن العمل السياسي والديبلوماسي»! هل هذا هو المخرج... أم «المدخل»؟! * كاتب سعودي [email protected]