في إشارة لا تخلو من دلالة، وللمرة الأولى في خطاباته السنوية التي يلقيها في افتتاح دور انعقاد مجلس عُمان (يضم مجلسي الدولة والشورى)، ذكّر السلطان قابوس بن سعيد أمس بأن النهضة العُمانية الحديثة انطلقت من محافظة ظفار، مشيراً الى الاحتفاء بالذكرى الأربعين لهذه الانطلاقة التي ارتبطت باعتلائه العرش. وتزامن خطاب قابوس مع تحضيرات لاحتفالات شعبية ضخمة ستشهدها الولايات الرئيسة في السلطنة، إحياء للذكرى بعد عيد الأضحى المبارك. في قاعة الحصن بحي الشاطئ في صلالة (ألف كيلومتر من مسقط)، ألقى سلطان عُمان خطابه في حضور أفراد الأسرة المالكة ورئيسي مجلسي الدولة والشورى، والوزراء وقادة فروع القوات المسلحة، ورؤساء البعثات الديبلوماسية، وإذ تميزت الكلمة باقتضابها، نبّه قابوس الى أهمية الحفاظ على ما تحقق من منجزات على مسار النهضة، وصونها وحمايتها، منوّهاً بدور القوات المسلحة وكل الأجهزة الإدارية والأمنية، في «بناء صرح الدولة العصرية في عُمان». وذكر ان تلك المنجزات «غيّرت وجه الحياة» في السلطنة، بعدما اعترضت مسيرة الدولة العصرية «صعاب جمّة وعقبات عديدة»، لافتاً الى التغلب عليها. وأطلق دعوة غير مباشرة الى حماية التوازن الدقيق «بين المحافظة على الجيد من موروثنا الذي نعتز به، ومقتضيات الحاضر التي تتطلب التلاؤم مع روح العصر، والتجاوب مع حضارته وعلومه وتقنياته»، ما دام ما تحقق هو ثمرة لذاك التوازن. وذكّر السلطان قابوس بن سعيد بأن نسبة مرتفعة من الأهداف التي ترسخ بناء الدولة العصرية تحققت بفضل «خطوات مدروسة، متدرجة ثابتة، تبني الحاضر وتمهد للمستقبل»، علماً أن نهج «التدرج» يعدّ من الثوابت الأساسية لسياسة عُمان، في الداخل والخارج. وللتشديد على دلالة اختيار صلالة في محافظة ظفار، لإلقاء خطابه عشية الذكرى الأربعين، قال قابوس: «من هنا ألقينا أول كلمة لنا، عبّرنا من خلالها عن عزمنا على العمل، من اجل بناء الدولة الحديثة، والنهوض بالبلاد في شتى المجالات». ولخص ملامح النهضة ومسيرتها بأنها تأكيد ل «مبادئ راسخة منذ عصور»، ولتاريخ عريق لعُمان، معدّداً من هذه المبادئ «التعاون مع سائر الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في شؤون الغير، وكذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا». وربط بين خطط التنمية و «بناء مجتمع الرخاء والازدهار والعلم والمعرفة»، كما ذكّر بأن «نتاج التنمية التي شهدتها الحياة العمانية، وكذلك المتغيرات المفيدة التي طرأت على المجتمع، اقتضت تطوير النظامين القانوني والقضائي، وتحديثهما لمواكبة مستجدات العصر، فصدرت النظم والقوانين اللازمة لذلك، والتي توّجت بالنظام الأساسي للدولة». بنات عُمان خصّهن قابوس بالذكر، على قدم المساواة مع أبناء السلطنة، ليتحمّلن قسطهن في «حماية» ما حققته الدولة العصرية، ومنه بالطبع تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة. هدوء عُمان لا يشبه في شيء صخب المنطقة العربية، المتراكمة أزماتها وسط بحر من العواصف الإقليمية والدولية التي تحاصر دولاً عربية عديدة. لذلك، يقول عمانيون، كانت ذات دلالة بالغة دعوة قابوس الى حماية الثوابت، وما تحقق بما يعنيه من توازن وهدوء واستقرار.