قد تكون الحادثة الفردية أكثر بلاغة في دلالتها من الحادثة العمومية. وتجربة سيد برويز كامبكش مع العدالة الأفغانية هي من الحوادث الفردية البليغة هذه. فمنذ 18 شهراً تقريباً، قبض عليه بتهمة توزيع منشور عن حقوق المرأة. وبعد عملية قضائية شابتها المخالفات، دين بالتجديف، وحكم عليه بالإعدام. وكان من الممكن الإعتقاد أن الحكم مرتبط بالفساد المستشري في محاكم المقاطعة، وأن حكماً مفرط القسوة من الجائز استئنافه لدى المحكمة العليا في كابول. وهذا ما حصل بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية في الخارج، بواسطة القنوات الديبلوماسية. فخفف الحكم، في تشرين الأول (أوكتوبر) الماضي إلى السجن 20 سنة. وأدى تخفيف العقوبة إلى استئنافين: واحد من جهة الإدعاء طلب تجديد عقوبة الاعدام، وآخر من الدفاع طلب ابطال الحكم. ونتيجة الإستئناف صارت معروفة. فجلسة الاستجواب السرية عقدت قبل أن يتمكّن الدفاع من تحضير الأدلة، وحكمت بتثبيت ال 20 سنة سجناً. وفي ميزان الاجتهادات كلها، يبدو حكم 20 سنة سجناً جزاء توزيع منشور عن حقوق المرأة، في أكثر سجون أفغانستان قسوة، مثار سخرية من النظام القضائي. والنظام القضائي هذا موّلته بسخاء، وفرضت إصلاحه، الدول الغربية. والحكم المتعسف قرينة على ضعف أثر المساعدة الأوروبية في عمل القضاء الأفغاني وأحكامه. ويبقى أمام سيد برويز التماس عفو شخصي من الرئيس كارزاي. وهو التماس يجب أن يقدمه الأفغان الذين يريدون مستقبلاً في دولة يسودها القانون. وعلى هذا، فرد الرئيس اختبار لارادته ونظرته الى مستقبل أفغانستان. ولكنه اختبار لصدقيته كذلك. وتعاظم الضغوط السياسية والعسكرية التي تتولاها طالبان امتحان لقدرة الرئيس على مقاومة زحف القوى الأصولية. والرئيس كارزاي لا يواجه المعضلة وحده. فتردي قوته هو الوجه الآخر لسيطرة طالبان على أراض افغانية جديدة، ولاشتداد مواجهتها قوات حلف شمال الاطلسي العاملة في افغانستان. واعلان الرئيس الأميركي الجديد ارسال 17000 جندي اضافي من القوات الأميركية اسهام فوري لتحسين الوضع الأمني، قبيل انهاء ادارته تقويم الوضع الافغاني برمته. ويتوقع أن تتضمن الخطة الطلب الى الحلفاء الأوروبيين، ومنهم بريطانيا مساعدة اضافية، ليست عسكرية، فالتوجه أصبح واضحاً، وهو الانتقال من القتال الى بناء البنية التحتية والمؤسسات. وبحسب التصريحات الأخيرة الصادرة عن الادارة الأميركية يمكن أن تشكل محادثات على مستوى ما مع طالبان أحد جوانب التحول. وقد يمر ذلك بالاتصال بعناصر من حركة طالبان يريدون أولاً السلم والأمن، على خلاف المتطرفين «العقائديين». ومصير برويز قرينة على نهج افغانستان القادم. فالغرب وأفغانستان أمام تحدي الوجه الانساني من المأزق. * عن افتتاحية «اندبندنت» البريطانية، 12/3/2009، اعداد علي شرف الدين