في عالمنا الذي حولته الثورة التكنولوجية الى «قرية كبيرة»، لا تزال هناك «دول» او «ممالك» مجهولة، يطفو ذكرها على السطح كلما سالت دماء او شهدت تطورات مؤلمة، بعضها يسعى منذ عقود طويلة لنيل الاعتراف به. مملكة «روينزورورو» الواقعة غرب أوغندا وتعدادها 30 ألف نسمة، يحكمها شخص شاءت الأقدار أن يتحوّل من مساعد ممرض في أميركا إلى ملك على جزء من أفريقيا يطالب باستقلاله منذ 1962، برلمانها مبني من أعواد القصب، والقصر الملكي لا يمكن التفريق بينه وبين أي بيت صغير من طبقة واحدة. نالت الاعتراف قبل 7 سنوات فقط من الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني الذي اكتفى بمنحها الحكم الذاتي بدلا من الاستقلال، اما اليوم فيتهم ملكها شارل ويسلي مومبير بمحاولة شن حرب على الحكومة والانقلاب عليها. وكان هذه «المملكة» أعلنت استقلالها في 1962 تمهيداً لانضمامها إلى أوغندا التي استقلت بعد 3 أشهر، لكن ما حدث أن الجيش الأوغندي وشعب تورو تحالفا ضد شعب روينزورورو المكون من اتنتي «أمبا» و«كونزو» اللذين يشكلان حاليا شعب «باكونزو». عادت هذه المملكة أول من أمس الى الضوء بعدما اتهم وزير الداخلية الاوغندي الملك مومبير بالسعي الى شن حرب على الحكومة اثر اشتباكات بين حرسه وقوات الأمن أوقعت 62 قتيلاً على الاقل، 16 من عناصر الامن و46 بين الحرس الملكي، واعتقال 139 من عناصر الاخير. اندلعت المعارك السبت في مدينة كاسيزي (غرب) وتوقفت بعدما هاجمت الشرطة الأحد قصر مومبيري الذي اعتقل واقتيد الى السجن، واتهمت الشرطة حراس الملك بأنهم على علاقة بمقاتلين انفصاليين، وهو ما نفاه الملك. وقال الوزير جيجي اودونغو: «استنادا الى ما عثرنا عليه في القصر، من اسلحة ومجندين، يمكننا الاستنتاج بوضوح ان الملك كان يريد شن حرب على الحكومة». وذكرت الشرطة ان الحرس الملكي هاجمها، واتهمته بالانتماء الى ميليشيا تدعو الى اقامة «جمهورية ييرا» على الحدود بين غرب اوغندا وشمال كيفو في جمهورية الكونغو الديموقراطية. ونشر المعارض التاريخي كيزا بيسيجي على «تويتر» صورا لعشرات الجثث المكدسة امام القصر الملكي مستنكرا ما حدث بوصفه «مجزرة». وقالت «منظمة العفو الدولية» في بيان: «لا نعرف بعد ما حدث، لكن يبدو ان اعمال قتل صادمة خارج القانون وقعت واستهانة تامة بحقوق الانسان خلال الاعتقالات، كثير من الناس قتلوا بوحشية والقيت جثثهم»، فيما دعت منظمة «هيومان رايتس ووتش» من جانبها الى التحقيق في جرائم يحتمل ان الطرفين ارتكباها. تقع مملكة روينزورورو قرب جبال روينزوري او «جبال القمر»، على الحدود بين اوغنداوالكونغو الديموقراطية، وينتشر مزيجها الاتني على اراضي الدولتين. شهدت حركة انفصالية عندما خاض «الباكونزو» معارك للمطالبة باستقلال مملكتهم في 1962 ثم القوا السلاح العام 1980 في مقابل الحكم الذاتي. اعترف بها الرئيس الاوغندي رسميا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، واسترجع موسيفيني بذلك تاريخ الممالك التقليدية التي حظرها سلفه العام 1967، لكنه ابدى استياءه لان الملوك يقيدون انفسهم بالواجبات الاجتماعية ويبتعدون عن السياسة. وقال مومبير في حينها متحدثا من قصره: «انها لحظة عظيمة ان تفهم الحكومة المركزية في اوغندا مطالب شعب باكونزو الذي يسعى بقوة للحصول على الاعتراف بهويته». مرّ مومبير بمراحل عدة في حياته، من زعيم للمتمردين خلال مراهقته الى طالب فقير الحال فمساعد ممرض في الولاياتالمتحدة، حيث عاش طوال 25 عاما، وكان يمتهن عملين لتأمين قوته. واكتسب الملك شعبية في ولاية بنسلفانيا الاميركية في تموز (يوليو) الماضي حين نشرت صحيفة «باتريوت- نيوز اوف هاريسبرغ» مقابلة معه، قبل الترتيب لعودته ملكا الى بلاده. ورث مومبير هذا اللقب عن والده إيسايا موكيرانيا كيبانزنكا الذي توفي بينما كان يقود جماعة انفصالية في جبال روينزوري.