حتى وقت متأخر من ليل امس، لم يتسن الحصول على أي تأكيد من دمشق لما أعلنه مكتب المدير السابق للأمن العام اللبناني اللواء جميل السيد بشأن إصدار القضاء السوري مذكرات توقيف في حق 33 شخصية لبنانية (بينها مسؤولون سياسيون وقضائيون وأمنيون) وعربية وأجنبية، علماً ان من شأن ذلك ان يلقي بظلاله على الوضع الداخلي في لبنان وعلى العلاقات بين رئيس الحكومة سعد الحريري ودمشق وعلى التفاهمات العربية بشأن لبنان، خصوصاً في ظل المرحلة السياسية الدقيقة التي يجتازها البلد. وكان مكتب السيد أصدر أمس بياناً جاء فيه انه «تبلغ من من محاميه في سوريا، بأن قاضي التحقيق الاول في دمشق قد أصدر ظهر اليوم (امس) ثلاثة وثلاثين مذكرة توقيف غيابية بحق قضاة وضباط وسياسيين واعلاميين وأشخاص من جنسيات لبنانية وعربية وأجنبية، ومن بينهم القاضي الالماني ديتليف ميليس ومساعده المحقق الالماني غيرهارد ليمان، وذلك اثر انتهاء المهلة القانونية للتبليغات في الدعوى المقدمة من قبله امام القضاء السوري منذ حوالى السنة في مؤامرة شهود الزور وشركائهم خلال التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وذكرت محطات تلفزة ومواقع الكترونية لبنانية ان من بين الذين شملتهم مذكرات التوقيف ايضا «النائب مروان حمادة والوزيرين السابقين شارل رزق وحسن السبع والنائبان السابقان باسم السبع والياس عطالله والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي ورئيس شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي العقيد وسام الحسن والنائب العام العسكري صقر صقر ومدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا والقاضي الياس عيد والمستشار الاعلامي لرئيس الحكومة هاني حمود والسفير السابق جوني عبدو والصحافي فارس خشان ورئيس تحرير مجلة الشراع حسن صبرا ورئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية أحمد الجارالله وزهير الصديق وعبدالباسط بني عودة». وكانت هذه الأسماء وردت في مؤتمر صحافي سابق للسيد. وقالت مصادر بارزة في تيار «المستقبل» ل «الحياة» انها «تستغرب مثل هذه الخطوة اذا كانت صحيحة، في الوقت الذي يفتح فيه رئيس الحكومة ورئيس التيار صفحة جديدة مع دمشق، ولكن هذا لن يثنينا عن المضي في فتح الصفحة». وسألت المصادر: «هل يحق لقضاء غير لبناني ان ينظر في دعوى بحق لبنانيين وفي قضية حصلت على ارض لبنان، خصوصاً وان القضاء اللبناني كان رد الدعوى؟». في هذا الوقت، رأت مصادر مطلعة ان لبنان يقف الآن أمام استحقاقين لاستكشاف ما سيكون عليه الوضع العام، الأول يتعلق باختبار ما آلت إليه زيارة مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمير عبدالعزيز بن عبدالله لدمشق ولقائه كبار المسؤولين السوريين، والتي جاءت قبل أيام من استعداد مجلس الوزراء اللبناني في جلسته اليوم برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان لدراسة مشروع قانون الموازنة للعام المقبل وفيه بند خاص بتمويل المحكمة الدولية يرجح تعليق البحث فيه الى موعد لاحق لتفادي تجدد الاشتباك السياسي في الحكومة بسبب إصرار الوزراء المنتمين الى المعارضة سابقاً على إسقاطه في حال أدرج من ضمن موازنة وزارة العدل. (راجع ص 6 و7) أما الاستحقاق الثاني فمؤجل الى حين ظهور نتائج زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان في 13 و14 تشرين الأول (اكتوبر) الجاري لما سيكون لها من تأثير مباشر على طبيعة المرحلة المقبلة. وفي العودة الى الاستحقاق الأول لاختبار مدى قدرة التفاهم السوري - السعودي على ضبط إيقاع جلسة مجلس الوزراء اليوم مع عودة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من زيارته الخاصة للمملكة العربية السعودية، والتريث في عدم إصدار أحكام على النيات لنتائج زيارة نجاد للبنان، أطل أمس رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط من خلال جولته على عدد من البلدات في قرى قضاء عاليه، بموقف لافت من المحكمة الدولية سأل فيه عن «قيمة العدالة تجاه الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر الشهداء إذا سال دم على أرض الوطن، ان العدالة تذهب هباء». ودعا جنبلاط «الحكماء في لبنان» الى «التحكم باللعبة لمنع الفتنة المذهبية»، كما دعا «حزب الله» الى عدم النزول مجدداً الى أزقة لبنان. وطالب جنبلاط بكشف حقيقة شهود الزور، وقال: «إذا ما طرح موضوع التمويل سنرى في اللقاء الديموقراطي كيف سنصوّت، هناك طبعاً في اللقاء نواب أحرار، أما نواب الحزب التقدمي الاشتراكي فيلتزمون تعليمات الحزب ولكل حادث حديث، آخذين في الاعتبار انه اذا ما انقطع تمويل المحكمة من لبنان فبوسع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون البحث عن بدائل لهذا التمويل». وفي هذا السياق، كشف مصدر وزاري ل «الحياة» ان «لدى الرئيس سليمان ميلاً لتأجيل البحث في بند تمويل المحكمة، لكن القرار النهائي يتوقف على اجتماعه بالرئيس الحريري قبل الجلسة». وقال ان رئيس الجمهورية «يفضل التريث وبالتالي تقطيع الوقت الى حين جلاء النتائج العملية للمحادثات التي عقدها اخيراً في دمشق الأمير عبدالعزيز بن عبدالله لا سيما انه في دائرة هذه المحادثات من خلال تواصله مع الرياضودمشق». واعتبر المصدر نفسه أن سليمان «يؤيد التريث وعدم إقحام مجلس الوزراء في بند «متفجر» بالمعنى السياسي للكلمة طالما ان الانقسام الحاد بشأنه قائم ولا مجال للبحث عن مخرج إلا بالاعتماد على مفاعيل التفاهم السوري - السعودي بخصوص الاستقرار في لبنان وحمايته والذي كرسته لاحقاً القمة الثلاثية التي استضافتها بيروت». لكن المصدر عينه لم يستبعد ان ينظر مجلس الوزراء في مستهل جلسته اليوم بمضمون المطالعة التي أعدها وزير العدل ابراهيم نجار حول شهود الزور «هذا إذا ما سمح له وضعه الصحي بحضور الجلسة». وأضاف: «ما سرب من مطالعة نجار التي أعدها بناء لتكليف من مجلس الوزراء يسمح للبنان بطلب استرداد شهود الزور ومحاكمتهم امام القضاء اللبناني بتهمة تضليل التحقيق في جريمة اغتيال الحريري. لكن من يقرر من هم هؤلاء الشهود وكم يبلغ عددهم؟». وإذ رأى المصدر ان محاكمة شهود الزور امام القضاء اللبناني من شأنها ان تسهم في تنفيس اجواء الاحتقان وتخفف من وطأة التشنج السياسي، سأل في المقابل: «هل المطلوب النظر في قضية شهود الزور ام ان البعض في المعارضة سابقاً يصر على إلغاء المحكمة الدولية وإسقاط بند تمويلها من مشروع الموازنة للعام المقبل واعتبار هذه المحكمة كأنها لم تكن وأن البديل منها تشكيل لجنة تحقيق عربية - لبنانية تتولى التحقيق في جريمة اغتيال الحريري؟». وعزا المصدر السبب في ذلك الى «الانقلاب المفاجئ لمعظم قوى المعارضة سابقاً على موقف رئيس الحكومة الذي اعترف فيه بأن اتهام سورية كان سياسياً وخطأً وأن شهود الزور ألحقوا الأذى بالعلاقات اللبنانية - السورية، وبالتالي استخدموا قضية شهود الزور لإلغاء المحكمة الدولية وإسقاطها». كما سأل المصدر عن الأسباب التي دفعت ببعض قوى المعارضة وبعد يوم أو يومين على قرار مجلس الوزراء في جلسته في بيت الدين تكليف نجار إعداد مطالعة في شأن شهود الزور، الى «المضي في حملتهم السياسية والإعلامية بدلاً من التريث لمعرفة ما تضمنته مطالعته، ناهيك عن إصرار الحريري في الجلسة على الذهاب بهذه القضية الى الآخر»، مشيراً الى ان موقف هذه القوى «طرح تساؤلات تجاوزت شهود الزور الى ضرب المحكمة الدولية وإسقاطها على رغم انها تعرف ان القرار بخصوص المحكمة هو الآن خارج إرادة اللبنانيين وبيد المجتمع الدولي».