بوفاة فيدل كاسترو، تطوي كوبا، والعالم، صفحة غنية بأحداثها، شهدت تحديات وخيبات، بعضها خلال أكثر المراحل توتراً في الحرب الباردة، وكادت تشعل حرباً نووية أثناء أزمة الصواريخ عام 1962. آخر ظهور علني لفيدل كان في 13 آب (أغسطس) 2016، بعد تسليمه السلطة عام 2006 إلى شقيقه راوول، اثر خضوعه لجراحة في المعدة. وكان كاسترو الذي يحمل دكتوراه في الحقوق، هزم مع «ثواره الملتحين» جيش الديكتاتور فولخنسيو باتيستا، ودخل هافانا منتصراً في كانون الثاني (يناير) 1959. حكم كوبا 49 سنة، بمزيج من الكاريزما والقبضة الحديد، فأقام دولة الحزب الواحد، لكنه نجح في تحويل كوبا «قوة طبية» تضمّ 88 ألف طبيب، صدّر «جيشاً» منهم إلى العالم، كما أمّن الرعاية الصحية للجميع، ومحا الأميّة. لكنه فشل في إنتاج 10 ملايين طنّ من السكر عام 1970، ولا في استعادة قاعدة غوانتانامو التي تخلت عنها كوبا للولايات المتحدة قبل أكثر من قرن. أقرّ عام 1964 باحتجاز 15 ألف سجين سياسي، وأعدم عام 1989 الجنرال أرنالدو أوتشوا، بطل حرب أنغولا. وكان رفيق دربه أوبر ماتوس تمرّد عام 1959، فسجنه 20 سنة. وفي «الربيع الأسود» عام 2003، سجن 75 منشقاً وأعدم ثلاثة أشخاص بالرصاص. وأعلن عام 1990 «مرحلة خاصة في زمن السلم»، بسبب انهيار اقتصادي لكوبا، تفاقم مع سقوط الاتحاد السوفياتي بعد سنة. تصف المنشقة مارتا بياتريس روكي (71 سنة) كاسترو ب «مغرور وأناني ونرجسي»، فيما اعتبره الصحافي نوربرتو فوينتيس، صديقه سابقاً، «مسخاً من الأنانية، مستهتراً وعديم أخلاق». نفذت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي)، خلال عهد الرئيس الراحل جون كينيدي، محاولة فاشلة لإنزال منفيين كوبيين في خليج الخنازير جنوبكوبا، عام 1961. وفرضت واشنطن حظراً على هافانا عام 1962، ما زال سارياً على رغم تطبيع أميركي – كوبي، وزيارة الرئيس باراك أوباما الجزيرة. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1962، اندلعت أزمة الصواريخ بعد نصب صواريخ نووية سوفياتية في كوبا. وواجه العالم شبح حرب نووية طيلة 13 يوماً، قبل أن تسحب موسكو صواريخها في مقابل تعهد أميركي بالامتناع عن غزو كوبا. أرسل فيدل 386 ألف كوبي للقتال في أنغولا وإثيوبيا والجزائر، علماً أن رفيق دربه إرنستو «تشي» غيفارا قُتل في بوليفيا عام 1967. تحدى فيدل 11 رئيساً أميركياً، معلناً نجاته من 634 محاولة ومؤامرة لاغتياله، اتهم «سي آي أي» وتنظيمات لكوبيين منفيين في الولاياتالمتحدة بتدبير غالبيتها. يحمل كاسترو الرقم القياسي لأطول خطاب أُلقي أمام الأممالمتحدة، إذ استمر 4 ساعات و29 دقيقة، في 26 أيلول (سبتمبر) 1960. ودام أحد أطول خطاباته المسجلة 7 ساعات و30 دقيقة، في 24 شباط (فبراير) 1998، بعدما أعاد البرلمان الكوبي انتخابه رئيساً. وُلد في 13 آب (أغسطس) 1926 في بيران شرق كوبا، وتلقى دراسته الثانوية في مدرسة للآباء اليسوعيين. ثم نال دكتوراه في القانون عام 1959.