حين ندرس تاريخ الأمم الأخرى، يكون الهدف معرفة الحوادث والمعارك وإخفاقات الماضي، لعل وعسى يفيدنا ذلك في استخلاص الدروس والعبر، وفهم الحاضر في ضوء الماضي. وحين نزور دولاً أخرى غير دولنا للسياحة، فإن ذلك يكون للترفيه والتسوق ومشاهدة الآثار ومناطق الجذب السياحي، وما يرتبط بذلك من متعة وفائدة. وحين نشاهد الأفلام والمسلسلات الأجنبية، فإن ذلك يكون اطلاعاً على فنون الغير، وإطلالات فيها شيء من الواقع على حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، إضافة بالطبع إلى المتعة الفنية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما يعود على المشاهد العربي من مشاهدة برامج الترفيه والحوار الأجنبي؟ عدد من القنوات العربية بات ينفق الملايين على شراء برامج أجنبية ترفيهية تعرض في ساعات الذروة. صحيح أن مثل تلك البرامج يمثل متعة كبيرة في المشاهدة، وصحيح أنها تقدم تقنيات بالغة الدقة والمهنية، وصحيح أنها تمثل مادة شديدة الخصوبة للتقليد والاستنساخ، إلا أن الغرض منها ما زال مبهماً. فمثلاً برنامج مثل «أوبرا وينفري شو» يعرض الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية الأميركية، منها ما يتعلق بقصص نجاح، أو إخفاق، وجميعها بالطبع لا يخلو من الإثارة والتسلية في المتابعة. لكن غالبيتها لا يمت بصلة إلى الواقع العربي من قريب أو بعيد. وحتى إن كان يمكن استخلاص بعض الدروس أو الفوائد من برنامج «أوبرا»، فماذا عن برنامج مثل «دكتور فيل» ذائع الصيت؟ فالبرنامج القائم على مشكلات بعضها بين الأزواج والزوجات، وبعضها الآخر تدور حوادثه بين أبطال لا تربطهم علاقة زواج. وعلى رغم أن مثل هذه المشكلات، لا سيما التي يتحدث عنها أبطالها الحقيقيون تمثل مادة جاذبة للمشاهدة، إلا أنها تطرح تساؤلات حول الغرض من عرضها. أما برنامج «إذن فأنت تعتقد أنك قادر على الرقص» فعلى رغم إيقاعه السريع والجذاب، وقدرته على استعراض المشاعر الإنسانية للراقصين والراقصات وقت الإعلان عن نتائج عروضهم من لجنة التحكيم، إلا أن فوائد عرضه وإعادة حلقاته غير مرة غير واضحة أيضاً. وماذا لو اشترت هذه القنوات حق عرض البرامج السياسية الأجنبية؟ هل ستحظى بنسب المشاهدة والإقبال ذاتها؟ وحتى لو كانت هذه البرامج تتطرق إلى المنطقة العربية، وصراعاتها والإرهاب وإلصاقه بالعرب، هل كانت ستجد الصدى ذاته الذي تجده البرامج الفنية والترفيهية؟ بالطبع لا! سيناريو آخر يطرح نفسه. ماذا لو اشترت إحدى القنوات الأجنبية برامج فنية وترفيهية عربية؟ هل ستجد صدى لدى المشاهد العربي حتى في حال ترجمتها؟ قد يتابعها بعضهم على سبيل العلم بالشيء، لكن أغلب الظن أن المتابعة لن تستمر كثيراً. فهل السبب قلة إمكانات الإبهار، أم افتقاد مشكلاتنا الاجتماعية عنصر الإثارة الكافي، أم أن صناعة الترفيه وتجارة «بيزنيس» المشكلات تحتاجان إلى مزيد من الحنكة والتدريب؟