ارتفعت أصوات السعوديين وهم يرددون عبارة «متحدون نقف ومتفرقون نسقط»، والتي اتخذوا منها «وسماً» في مواقع التواصل الاجتماعي، في حملتهم الجديدة للتصدي لغلاء الأسعار التي توجهت هذه المرة نحو المطاعم، بعد أن قادوا حملات أخرى مشابهة ضد شركات الاتصالات وغيرها، والهادفة جميعها إلى خفض أسعار الخدمات والمواد الاستهلاكية عموماً. ويعود السبب المباشر إلى شن حملات ضد المطاعم في السعودية لمقاطعتها، بسبب المغالاة في أسعارها، وكذلك إلى الانخفاض الملموس في أسعار جميع أنواع المواد الغذائية الأولية، سواء الدجاج أم اللحوم أم الخضراوات والفواكه وخلافه. إذ على رغم انخفاض أسعارها فإن المطاعم لا تزال متمسكة بأسعارها القديمة التي رفعتها بعد موجة الغلاء العالمية لجميع السلع خلال السنوات الخمس الماضية، خصوصاً الدجاج. ولم تتوقف حملة مقاطعة المطاعم المغالية في أسعارها عند رصد أسعار المواد الغذائية قبل نزول الأسعار العالمية وبعدها، بل شملت مقارنة أسعارها بأسعار المطاعم في الدول المجاورة، وخصوصاً دول الخليج العربي، التي يرى السعوديون أن أسعار بوفيهاتها أرخص من السعودية بنحو 50 في المئة! وقال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين ل«الحياة»: «يمكن القول إن السوق السعودية لا تتفاعل بكفاءة مع متغيرات الأسعار العالمية، ما يجعلها تنتهج آلية غير عادلة في التسعير ترجح فيها مصلحة التجار على حقوق المستهلكين، وهذا لا يقتصر على التسعير فحسب، بل يتجاوزه إلى جودة المنتج أو الخدمة المقدمة، ما يجعل من خسارة المستهلك مضاعفة». وأضاف: «بالتركيز على قطاع الأغذية والمطاعم نجد أن هذا القطاع ما زال محتفظاً بأسعارة السابقة المرتفعة على رغم التغيرات الحادة التي طرأت على تكاليف المدخلات الغذائية ومتغيرات الدخل التي حدت بشكل مباشر من حجم الاستهلاك». ورأى أن قطاع الأطعمة والمطاعم من الممكن أن يدفع الثمن في المستقبل من خلال تراجع معدلات الإقبال عليه، وزاد: «قد يدفع ثمنه قطاع الأطعمة ثمناً باهظاً مستقبلاً، فضعف الطلب سيزداد تدريجياً، وهذا سيسهم في الضغط بشكل أكبر على القطاع وربما خرجت بعض الشركات والمؤسسات من السوق»، مشيراً إلى أن التعامل بعدالة وذكاء مع منظومة التسعير ومتغيرات الدخل كفيل بتحقيق التوازن بين ربحية التجار ومنفعة المستهلكين. واستطرد: «للأسف فإن الرقابة الرسمية لم يعد لها دور فاعل في منظومة التسعير ولا الجودة ولا الأمور الصحية التي أعتقد أنها أصبحت أكثر تأثراً بانعدام المتطلبات الصحية الواجب توافرها». وعن دور جمعية حماية المستهلك قال البوعينين: «دور جمعية حماية المستهلك مشلول تماماً ولا يرقى إلى أن نذكره ضمن الأدوات المتاحة»، مضيفاً: «المراهنة الحقيقية مرتبطة بثقافة المستهلكين التي بدأت ترتفع تدريجياً، وتنظم بشكل لافت من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، إذا استمرت جهود المستهلكين في الاتجاه الصحيح فستوفر قناة جديدة مهمة». بدوره، قال الكاتب خالد السليمان: «إن الجشع يحضر دائماً عندما تغيب الرقابة وينخفض وعي المستهلك بأهمية دوره في التصدي لجشع بعض التجار واستخفافهم بحقوقه». وزاد: «لدينا مشكلة متعددة الأطراف، فالرقيب لا يمارس دوره بفاعلية، وأحياناً لا يفهم حقيقة هذا الدور أو لا يمتلك أدوات تحقيقه، والتاجر الجشع لا يفهم من علاقته بالمستهلك سوى أنها علاقة باتجاه واحد، هي تحقيق الأرباح من دون وعي بأهمية ديمومة العلاقة، بدلاً من أن تكون على قاعدة الاحتلاب الذي يجفف الضرع، وأخيراً المستهلك الذي يقبل مختاراً في أحيان كثيرة أن يكون في موقع الضحية من دون أن يبحث عن خيارات أو يبدي استعداداً لتسطير موقف على حساب تلبية متطلباته، خصوصاً غير الضرورية». ويرى السليمان أن معظم حملات المقاطعة في السابق فشلت، معللاً السبب بقوله: «إن بعض أفراد المجتمع يفتقر لثقافة الالتزام والمساهمة في المواقف الجماعية»، مضيفاً: «معظم الحملات تبدأ بمبادرات فردية وتفتقر للعمل المؤسسي الذي تقدمه في مجتمعات أخرى مؤسسات مدنية نقابية وحقوقية متخصصة في حماية المستهلك، لذلك نجد حملات المقاطعة تبدأ بزخم سرعان ما يخبو، بسبب الاتكالية وفقدان الحماسة».