عجزت جمعية حماية المستهلك عن تفعيل دورها، الذي يكمن في حماية المستهلك، حتى أصبحت في حكم الغائب، واشتعل لهيب السلع، لتأكل ما في الجيب كما «تأكل النار الحطب»، حتى باتت جملة «حماية المستهلك» لا محل لها من الإعراب، فتحوّل دورها من «حماية المستهلك» من تلاعب التجار إلى دور أعظم، وهو «حماية التاجر من العقوبة»، لينطبق المثل القائل «من أمن العقاب أساء الأدب». وإزاء هذا الوضع، سلك بعض المستهلكين مسلك «أضعف الإيمان»، متخذين من مقولة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أرخصوه أنتم» سلاحاً للدفاع عن حقوقهم، مطالبين بالعدل وتطبيق مقولة «لا ضرر ولا ضرار». وأوضح عضو جمعية الاقتصاد السعودي عبدالحميد العمري ل«الحياة»، أن المقاطعة هي سلوك يُصنع من رد فعل المستهلكين على أمر غير مرغوب فيه، نتيجة لوعي المستهلك، مشيراً إلى أنه على رغم أن سياسة المقاطعة لم تنشط إلا خلال العامين الأخيرين، إلا أن فعاليتها لم يكن لها أي تأثير قوي، مرجعاً ذلك إلى ضعف ثقافة المقاطعة، التي كانت سبباً في عدم استجابة العديد من المستهلكين لسياسة المقاطعة، ما نتج من ذلك نتائج ومؤشرات سلبية وغير مرضية، مضيفاً: «لو أن سياسة المقاطعة فاعلة، لأثرت في أسعار السلع التي ارتفعت نتيجة للتآمر بين التجار». وأوضح العمري أن جمعية حماية المستهلك خارج نطاق الخدمة، وأن عليها أن تعطي إشارة في حال تغيّرت أسعار السلع، كونها لا تملك شجاعة «أغلبوهم بالصوت»، واعتبرها «أشبه بزائدة دودية من الأفضل استئصالها»، على حد وصفه. ورأى المحلل المالي الدكتور فضل البوعينين، أن الثقافة الاستهلاكية ما زالت قاصرة في مجتمعنا السعودي، على رغم أهميتها في تشكيل عادات الشراء، وأساليب الضغط، واسترجاع الحقوق، موجهاً أصابع الاتهام إلى المتسببين في الحؤول دون نشر ثقافة المستهلك في السوق السعودية المتمثلة في سلبية وزارة التجارة، وتأخر إنشاء جمعية حقوق المستهلك، وضعف أساليب التقاضي، وأخيراً ثقافة المجتمع السائدة، التي أسهمت جميعها في إضعاف ثقافة المستهلكين. غير أن البوعينين رأى أن هناك تحسناً ملحوظاً في ثقافة المستهلكين، «إلا أن تقاعس الجهات الرسمية قد يصيب المستهلكين بإحباط، فيعيدهم إلى المربع الأول الذي نسعى لإخراجهم منه»، مشيراً إلى أن تحقيق القاعدة العُمرية «أرخصوه» تكون عسيرة على من لا يستطيع كبح رغباته الاستهلاكية، أو لا يأبه بمصالح المجتمع، موضحاً أن هناك اختلافاً بين القدرة على الشراء، وتنفيذ عملية الشراء، وأنه متى استطاع المستهلك أن يربط تنفيذ عملية الشراء بالحاجة والمصلحة العامة، فسيصل إلى تطبيق القاعدة العُمرية بسهولة. وتابع: «حينما يُنجز المستهلك عملية الشراء بأعلى من ثمنها الحقيقي، فإنه يتسبب في الإضرار بالمستهلكين الآخرين، الذين ربما لا تسعفهم قدرتهم المالية على الشراء بأسعار مرتفعة، ما جعل التجار يرددون كثيراً عبارة «غيرك سيشتريه» التي تسببت في تتابع الغلاء. وأضاف: «إذا أحجم المشترون عن السلع المرتفعة، خصوصاً السلع المعرضة للتلف، لأرخص التجار الأسعار إلى مستويات سحيقة». ويرى البوعينين أن المقاطعة وسيلة من وسائل الضغط، وهي وسيلة مشروعة إذا ما استمر التجار في ممارسة أعمالهم الخاطئة تجاه المستهلكين، معرباً عن اعتقاده بأن المقاطعة المنهجية المبنية على إبداء المطالب المشروعة ستحقق للمستهلكين الكثير من المنافع، وتسهم في تحجيم الأسعار والضغط عليها. واتفق الكاتب الأكاديمي الدكتور سعود كاتب مع من سبقه حول أن المجتمع يفتقر إلى ثقافة الاستهلاك كثيراً، ورأى أن تطبيق سياسة المقاطعة لها تأثير على الأقل في سمعة الشركة أو المنتج، مشترطاً أن تكون المقاطعة مبنية على أسباب منطقية ولها مبرراتها. وأشار إلى أن بعض حملات المقاطعة لم تجن ثمارها، بسبب عدم الوعي الكافي، مطالباً وزارتي التجارة والتربية والتعليم والعديد من الجهات بأن تجتهد في تثقيف المجتمع بثقافة المستهلك. وكان مواطنون ومقيمون أطلقوا أخيراً، نهاية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، حملة مقاطعة للدجاج بنوعيه «المبرد» و«المجمّد» على خلفيّة الارتفاعات التي طاولت أسعار الدجاج أخيراً، في محاولة من المستهلكين للضغط على شركات الدواجن لخفض الأسعار. وحملت دعوة المقاطعة شعارات عدة منها «خلّوها تعفّن» و«لا دجاج بعد اليوم» وسط دعوات أيضاً بمقاطعة البيض الذي وصلت أسعار بعض أنواعه إلى 16 ريالاً للطبق، واقترح المقاطعون التحوّل إلى الغذاء النباتي المفيد صحياً وإلى شراء الأسماك واللحوم الحمراء بحسب قدرتهم الشرائية.