أكد خبير اقتصادي سعودي عضو مجلس الشورى السعودي سابقاً رئيس «دار الدراسات الاقتصادية»، عبدالعزيز الداغستاني، صعوبة مواجهة مشكلة البطالة في السعودية، نتيجة الاختلالات الجوهرية في سوق العمل المحلية، وعلى رأسها طرح الحلول الفردية، والاعتقاد بأن تطبيق «السعودة» هو الحل الأفضل. واضاف في محاضرة في ثلوثية عمر بامحسون الثقافية، ان هذه النزعة والاعتقاد، هما من سمات الاقتصادات التي تعاني من تشوّهات هيكلية أو تشريعية، تفقدها القدرة على تأصيل العمل المؤسساتي الذي يقوم على أسس مهنية علمية، تنتج عنه استراتيجيات تطبق وفقاً لخطة زمنية محددة، من دون الاعتماد على الأشخاص. واكد إن ما يطرح من أفكار، بخاصة من المختصين وذوي الخبرة، يمكن أن يمثل أساساً لوضع استراتيجية للتصدي لهذا الخلل الذي أصاب سوق العمل، بشرط أن ترتكز هذه الاستراتيجية على عمل مؤسساتي وأن تراعى استحقاقات الاقتصاد الكلي، من دون إغفال الآثار المترتبة على القطاعات الإنتاجية المختلفة والتغيرات الزمنية. ولفت داغستاني الى إن من أهم الواجبات والمسؤوليات مساعدة شركات القطاع الخاص على إعداد البرامج التدريبية الملائمة لموظفيها الجدد، ووضع برامج وأهداف ل «السعودة»، تحددها كل شركة لنفسها، وفقاً لبرامجها التدريبية المبنية على احتياجاتها الذاتية، وتعتمدها وزارة العمل، على أن تتولى الغرف التجارية والصناعية الدور ذاته بالنسبة للمؤسسات الفردية والشركات الصغيرة. وأوضح ان سياسات «السعودة» المطبقة حالياً ترتكز على القرار رقم «50» الصادر من مجلس الوزراء القاضي بإلزام كل منشأة تستخدم عشرين عاملاً فأكثر بزيادة عدد العمال السعوديين لديها بنسبة لا تقل عن 5 في المئة من مجموع عمالها سنوياً، الا ان دراسة أعدتها «دار الدراسات الاقتصادية» بعنوان «المشروع الوطني للتوظيف في القطاع الأهلي»، استخدمت نموذجاً رياضياً لتقدير آثار تطبيق القرار رقم «50». وبينت نتائجها ان في حال الأخذ بإلزام كل منشأة تستخدم عشرين عاملاً فأكثر بزيادة عدد العمال السعوديين لديها بما لا يقل عن 5 في المئة من مجموع عمالها سنوياً، فإن تطبيق هذا القرار لن يحل مشكلة البطالة، بل سيؤدي إلى خفض عدد العمال الوافدين، ويرفع متوسط الأجور 23 في المئة، وأجور العمال الفنيين بنسبة 47 في المئة، بينما ستنخفض أجور العمال غير المدربين بنسبة 2.6 في المئة، ما يعني إعادة توزيع الدخل لمصلحة العمال الفنيين. لذلك أوصت الدراسة بضرورة التركيز على زيادة المعاهد الفنّية في إطار تطوير سياسة التعليم وبرامجه. وأشار الداغستاني الى ان هناك آثار إيجابية ل «السعودة»، من أهمها توفير فرص وظيفية للسعوديين، وزيادة حجم الاستهلاك الكلي المحلي، وتحسين ميزان المدفوعات بسبب انخفاض تحويلات العمال الوافدين وخفض الضغط على الخدمات والمرافق العامة، ما يقلل توزيع الإنفاق الحكومي ويحسِّنه، ويخفض حجم الواردات ويحسِّن الميزان التجاري. اما الآثار السلبية ل «السعودة»، فهي ارتفاع متوسط الأجور في القطاع الخاص ومستوى الأسعار ومعدل التضخم، وانخفاض القدرة التنافسية للقطاع الخاص في السوق العالمية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، اضافة الى ضعف معدل الطلب المحلي على السلع والخدمات، والتأثير على سياسة تنويع مصادر الدخل القومي، نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج.