حضرت الأجواء اللبنانية المشحونة الناتجة من الانقسام الحاد في شأن المحكمة الدولية بقوة في جلسة لجنة المال والموازنة النيابية في اجتماعها أمس، التي شهدت موقفاً حاداً لعضو كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب علي عمار اتهم فيه نواب الأكثرية بالعمالة لإسرائيل وبأنهم كانوا وراء العدوان الإسرائيلي، محملاً إياهم مسؤولية 1200 شهيد سقطوا في حرب 2006 على لبنان. كما اتهمهم بأنهم يسعون الى إحضار اسرائيل والولايات المتحدة مجدداً الى لبنان من خلال إصرارهم على المحكمة الدولية لتصفية المقاومة. ودفع خطاب النائب عمار غير المألوف في مناقشة النواب للموازنة النائب أحمد فتفت للرد عليه مؤكداً رفضه جملة وتفصيلاً كلّ ما ساقه من اتهامات. وكاد الجو يتكهرب لو لم يبادر النائبان علي حسن خليل وعلي بزي وآخرون الى إخراج عمار من الجلسة من أجل تهدئة النفوس، خصوصاً أن النواب المنتمين للأكثرية أجمعوا في ردهم على عمار بأن لا جدوى من مواصلة النقاش ومن لا يريد إقرار الموازنة فليعلن موقفه بصراحة بدلاً من الانفعال وسوق الاتهامات. وسأل النواب في الأكثرية كما قالت مصادرها ل «الحياة» عن الأسباب التي دفعت عمار الى الانفعال واتهام زملائه بالعمالة، ولمح معظمهم الى مقاطعتهم جلسات لجنة المال في حال تكرر الخروج عن الخطاب السياسي واستبداله بتوجيه الشتائم. وأكدت المصادر أن خليل دخل الى القاعة المخصصة للجلسة ومعه عمار وبادر قبل أن يستوي على كرسيه الى الاعتذار للنواب، لافتاً الى أن هذا الكلام غير مقبول ومرفوض. وأوضحت المصادر أن النواب في الأكثرية أثاروا مجدداً طلبهم الاستماع الى التسجيل الصوتي لمحضر جلسة لجنة المال قبل الأخيرة للتأكد من طبيعة المداولات وما إذا حصل تصويت على البند الوارد في موازنة وزارة العدل بتسديد حصة لبنان في تمويل المحكمة الدولية لا سيما أن بعضهم يدعي أن غالبية أعضاء اللجنة صوتوا بعدم الموافقة على البند على رغم أنه لم يحصل في العادة التصويت في اجتماعات اللجنة النيابية لأن التقليد المتبع هو اعتماد مبدأ التوافق على كل ما هو مدرج على جدول أعمالها. وتجدد الاحتدام في الجلسة، لكن هذه المرة من دون تبادل الاتهامات، وغادر فتفت ومعه النائب في كتلة «المستقبل» معين المرعبي الجلسة ليجريا مشاورات، وتبين لاحقاً أنهما توجها الى السراي الكبيرة للوقوف على رأي رئيس الحكومة سعد الحريري. وعادا ولديهما إصرار على الاطلاع على التسجيل الصوتي لمحضر الجلسة خصوصاً الشق الأخير منه لحسم الجدل الدائر في ظل عدم إعداد المحضر وتولي رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان وضع ملخص عنه بتصرف النواب. كما تمسكا بتطبيق المادة 43 من النظام الداخلي للمجلس النيابي التي تنص على أن التصويت في جلسات اللجان يتم من قبل أعضاء لجنة المال الى جانب أعضاء اللجنة المختصة (لجنة الإدارة والعدل النيابية) وهذا ما لم يحصل وبالتالي يعود للهيئة العامة في مطلق الأحوال القرار النهائي في حسم الاختلاف في شأن البند الخاص بتمويل المحكمة. ورد النائب خليل عليهما بقوله إن العرف منذ عام 1920 لم يطبق المادة 43 وقضى بتصويت أعضاء لجنة المال والموازنة فقط . وقال: «يجب الاعتراف بوجود انقسام سياسي حول المحكمة»، مشدداً، كما نقل عنه، على ضرورة «تكثيف الاتصالات السياسية اللازمة للتفاهم على مخرج يجنبنا الانقسام الحاصل في شأن هذه المحكمة». وردّ فتفت على خليل مذكراً إياه بأنه لم يسبق للجان أن صوتت على أي بند مدرج على جدول أعمالها باعتبار أن العرف يقضي بضرورة التوافق. وتدخل عدد من النواب المنتمين الى المعارضة سابقاً وأكدوا حصول التصويت وأن هذا يعني أنه لم يتم الاتفاق على التمويل وبالتالي فإن البند بهذا الخصوص يعتبر ساقطاً. لكن بعض نواب الأكثرية شددوا على أن القرار النهائي من صلاحية الهيئة العامة خصوصاً أن أحداً لم يطلعهم حتى الساعة على التسجيل الصوتي لمحضر الجلسة فرد كنعان بأن هذا الطلب من اختصاص رئيس المجلس وأعضاء هيئة مكتب المجلس. وأضاف كنعان أن المحضر يقع في حوالى 162 صفحة. وقال إنه لم يوقعه حتى الساعة ولا يزال يدقق فيه ويتحقق منه، اضافة الى أن مقرر اللجنة فادي الهبر (كتلة الكتائب) كان غادر الجلسة مع نواب الأكثرية. وبعد الجلسة، صرح فتفت انه رفض «الجزء الأخير من محضر الجلسة حول التصويت على بند المحكمة»، وقال: «كما ذكر رئيس اللجنة، فالقرار النهائي بالتأكيد سيكون للهيئة العامة». واوضح «ان ما جرى اننا إطلعنا على خلاصة المحضر الذي لم يوقع حتى الآن وتبين ان هناك أموراً نرفضها رفضاً باتاً ونعتبر ان الجزء الاخير من جلسة الخميس الشهيرة في 16/9/2010 كان غير قانوني لأنه لم يتمتع بالنصاب القانوني وفقاً للمادة 43، ووفقاً لمواد إجرائية أخرى تبدأ بالمادة 30 وتنتهي بالمادة 59 من النظام الداخلي وكل هذه المواد وتحديداً المادة 43 لم تحترم في تلك الجلسة، وبالتالي نرفض هذا المحضر في جزئه الاخير ونرفض خلاصته ونعتبره غير موجود بالكامل، وكأن الجلسة لم تكن». وحول التلاسن الذي حصل بينه وبين النائب عمار، استغرب فتفت شيوع امر السجال «لأنه وبناء لطلب إجماعي من كل أعضاء اللجنة، جرى سحب كلام عمار وأعتذر عنه خليل في الجلسة لانه وجّه لنا كلاماً مرفوضاً عندما قلت انه لم يكن هناك نصاب قانوني للجلسة، فقال: لا أن هذا كلام اسرائيلي وهذه المحكمة اسرائيلية، وهي المسؤولة عما حدث من جرائم في لبنان وتحديداً عدوان 2006، ونعتبر ان هذا الكلام تخويني وفئوي ويخدم الاسرائيلي، ولا أريد أن اعلق أكثر لأن هذا الكلام سحب من محضر الجلسة». وقال النائب غازي يوسف: «وافقنا على موازنة وزارة العمل التي بلغت نحو359 بليون ليرة من ضمنها حوالى 354 بليوناً دفعات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والذي لفت نظرنا وأحببت ان أثيره هو ان هذا المبلغ تسدده الحكومة على اساس انه ديون مستحقة للصندوق من قيمة دين يبلغ 600 بليون. يعني الحكومة قررت دفع هذا الدين واعترضت، وتقسطه للضمان 80 بليون ليرة في السنة، وأردت ان اثير هذه النقطة لكي اربط بين الذي يحصل اليوم من خلال هذه الوزارة ودفع مستحقات صندوق الضمان وبين ما يقوم به الوزير شربل نحاس، الذي يعتبر نفسه المرجع المالي الصالح ولدينا حساب معه اذ صرف في العام الحالي 200 بليون ليرة من خارج الموازنة». وأعلن كنعان أن اللجنة «أقرّت موازنة وزارة العمل بالكامل وأن الخلاف على المحضر أحيل إلى هيئة مكتب المجلس». واضاف: «من حق الزملاء ان يطلبوا ومن واجباتنا ان نستجيب، لكن الذي حصل ان هذا المحضر كان جاهزاً، واستلمناه، ولم يتسن لنا قراءته كاملاً، واستجابة للزملاء أخذنا منه خلاصة ما حصل، واطلعنا الزملاء على ما ورد فيه، وحصل نقاش ومواقف وارتأينا ان هناك هيئة مكتب تستطيع ان تتلقى اعتراضات ووجهت كتاباً للأمانة العامة وسأوجه كتاباً لهيئة مكتب المجلس بما كان معتمداً في السابق من مسائل تتعلق بالنصاب والتصويت الى ما هنالك في لجنة المال والموازنة، كما انني اعددت دراسة قانونية، ومستعد ان اناقشها مع الزملاء وهي لا تلزم احداً».