دخل التوتر الطائفي في مصر مرحلة جديدة عبر عنها بيان ل «مجمع البحوث الإسلامية» التابع للأزهر، المرجعية الإسلامية الأعلى في البلاد، دان بأقوى العبارات دعوة سكرتير المجمع المقدس الأنبا بيشوي الذي يعد الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية إلى حذف آيات من القرآن الكريم. وتخطى التوتر الذي برز على السطح خلال السنوات الماضية، العامة إلى القيادات الدينية، بعدما ظلت حوادث الفتنة مقتصرة على وقائع فردية مثل حالات زواج أو تغيير للدين، سريعاً ما تأخد بعداً طائفياً، لأن طرفيها من المسلمين والمسيحيين، وهي حوادث عادة ما تتدخل القيادات الدينية من الطرفين للجمها وتأكيد أن الوحدة الوطنية راسخة ولن تتأثر بتصرف فردي. غير أن هذا الواقع تبدل ليسود التوتر العلاقة بين رجال الدين أنفسهم عبر تصريحات علنية تمس مسائل ظل تناولها سرياً لفترات طويلة، فاتهام الأمين العام لجبهة علماء المسلمين الدكتور سليم العوا الكنيسة بتخزين أسلحة في الأديرة استعداداً لاستخدامها ضد المسلمين كان بمثابة قنبلة مدوية في الأوساط المسيحية التي سارعت إلى نفي ذلك الأمر. لكن تصريحات الأنبا بيشوي كانت مدوية في شكل أكبر، إذ اعتبر أن فيها تشكيكاً في عقيدة المسلمين بعد أن مس بهوية مسلمي مصر. فبعد أن اعتبر الرجل الثاني في الكنيسة أن مسلمي مصر «ضيوف» على المسيحيين، قال في محاضرة مكتوبة إن القرآن الكريم أضيفت إليه آيات في عهد خلافة عثمان بن عفان، وهو ما دفع «مجمع البحوث الإسلامية» إلى إصدار بيان غير مسبوق حذر فيه من إثارة تصريحات بيشوي «غضب جماهير المسلمين فى مصر وخارجها»، معرباً عن «صدمة» شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من هذه التصريحات. ونقل عن شيخ الأزهر قوله ان مثل «هذه التصرفات غير المسؤولة تهدد فى المقام الأول الوحدة الوطنية في وقت نحن أشد ما نكون في حاجة إلى صيانتها». وشدد المجمع على أن «مصر دولة إسلامية بنص دستورها الذي يمثل العقد الاجتماعي بين أهلها... من هنا فإن حقوق المواطنة التي علمنا إياها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في عهده لنصارى نجران تقرر أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وأن هذه الحقوق مشروطة باحترام الهوية الإسلامية وحقوق المواطنة التي نص عليها الدستور». وهذه الحال جديدة على مصر التي لم تعهد هذا الشد والجذب بين القيادات الدينية، ولم تعتد تناول الأمور العقائدية في العلن، لذلك شكلت محاضرة بيشوي في مؤتمر يحظى بتغطية إعلامية صدمة لكثيرين. وهي كذلك المرة الأولى التي يصدر فيها «مجمع البحوث الإسلامية» بياناً يهاجم فيه قيادة كبيرة في الكنسية. وقال الناطق باسم شيخ الأزهر السفير محمد رفاعي الطهطاوي ل «الحياة» إن «العلاقة بين الأزهر والكنيسة لن تتوتر» على رغم إصدار هذا البيان، لكنه أشار إلى أن «التصريحات (التي أدلى بها الأنبا بيشوي) كانت صادمة للمسلمين وللأزهر، وكان ضرورياً إصدار بيان قوي حفاظاً على السلم الأهلي»، لافتاً إلى أن بياناً كهذا لم يصدر منذ سنوات طويلة. وأوضح أن شيخ الأزهر تلقى «بيان ترضية» من الأنبا بيشوي «جاءت صيغته في منتهى الاعتدال والعقل... وأرى في هذا البيان ترضية كافية، إذ اتفق مع ما جاء في بيان المجمع». من جانبه، اعتبر مُنظر «الجماعة الإسلامية» الدكتور ناجح ابراهيم أن البيان غير المسبوق الذي صدر عن «مجمع البحوث الإسلامية» يشير إلى أن «الأزهر فاض به ولم يجد مناصاً من التدخل لمواجهة تصريحات الأنبا بيشوي الذي يضر الكنيسة قبل أي شيء آخر، فالقرآن محفوظ إلى نهاية الدهر ولن يتأثر برأي يدل على الجهل المطلق». وأضاف أن «هذه التصريحات تمثل قمة التطرف وقمة الغلو في الكنيسة المصرية التي دفعت الأزهر دفعاً إلى الرد على غلو قياداتها بعد أن ظل الأزهر ينأى طوال تاريخه عن مثل هذا الجدل حفاظاً على الوحدة الوطنية». واجتمعت أمس هيئة مكتب المجلس الأعلى للصحافة برئاسة رئيس مجلس الشورى أمين الحزب الحاكم صفوت الشريف للبحث في «التأثيرات السلبية على الوحدة الوطنية لما نشر في بعض الصحف». وقررت تشكيل لجنة «لمناشدة الصحف مراعاة الصالح الوطني وبث روح الوفاق لدعم النسيج الوطني».