كان المستحيل إلى وقت قريب، أن يصنّف الشعب السعودي على أنه صاحب «نكتة»، ونحن نعرف أن ليس في الوطن العربي كله من الماء إلى الماء، غير الشعب المصري الذي عرف عنه أنه «أبو النكتة» منذ منتصف القرن الماضي. ذلك كان إلى وقت قريب، أما اليوم، فقد أصبح شباب السعودية يجيدون صناعة النكتة، كإجادة المصريين لها، وحتى أكون دقيقاً بعض الشيء، فربما يعود ذلك إلى بداية الألفية الثالثة، ما يعني أن السعوديين صاروا أصحاب نكتة، وتعليقات ساخرة باتوا يتفوقون بها على المصريين! أتلقى على هاتفي النقال العشرات من الرسائل النصية التي تحمل في مضمونها تعليقات ساخرة «تفطّس» من الضحك، وبعضها الآخر تحمل تهكماً على ناد، أو فريق، أو لاعب، أو شخصية رياضية. وبقدر سعادتي بأننا خرجنا من شخصية الجمود، والجدية المبالغ فيها التي كانت تسيطر على حياتنا، بقدر ما بت أخاف من هذا التحول الذي قد يجعلنا شعباً غير مبال، همّه كله الإساءات للآخرين، والتجريح فيهم، وإن انحصر ذلك فقط في الجيل الحالي من المتحمسين لكرة القدم، أو بعبارة أدق «المتعصبين» منهم. لقد فعل هوس كرة القدم بجماهير هذه اللعبة المجنونة كل شيء، حتى إنها جعلتهم يفرغون شحنات المباريات، وفي مقدمها «الدربيات»، واللقاءات التنافسية، كمباريات الكلاسيكو التي تجمع بين فرق الصفوة في الدوري السعودي، من خلال رسائل الجوال التي يتبادلونها في ما بينهم. ومما لاحظته أن بعض هذه الرسائل يتم تبادلها بين أنصار الفريق نفسه، تعبيراً عن الغضب من نتائجه ومستوياته، كما تقول هذه الرسالة التي وصلتني من أحد مشجعي النادي الأهلي بعد مباراة الدربي الأخيرة أمام الاتحاد، والتي خسرها الأهلي بثلاثة أهداف في مقابل هدف واحد...! تقول الرسالة التي ربطها كاتبها بنص رسائل جمعية الأمير فهد بن سلمان لمرضى الفشل الكلوي - عافاهم الله -: «برسالة من جوالك تحيي آمالهم: 1 - للتبرع للنادي الأهلي لغسيل الفشل الكروي لديهم، أرسل كلمة «دوري»! 2 - لدعمهم للمركز التاسع، أرسل كلمة «نقطة»، 3 - ولتبريرات الخسارة، أرسل كلمة «تصريف»، وقد تستغربون من قدرة هؤلاء على الصياغة بهذه الكفاءة، وتوجيه هذه الرسائل المباشرة، التي في رأيي أنها لا تخرج عن إطار «التنفيس» ليس أكثر! وحال النصر لا تختلف كثيراً عن حال الأهلي، فقد قرأت في أحد المنتديات عبارات تحمل الكثير من السخرية، ومنها ما عنون له كاتبه ب«بيان نصراوي عاجل» يقول فيه: يعلن نادي النصر عن اشتراكه في خدمة قطاف من الاتصالات السعودية، للحصول على أكبر عدد من النقاط! ويصف آخر غياب النصر عن بطولة الدوري بطريقته الخاصة «نظراً لعدم نجاح نادي النصر في كرة القدم، فقد قررت إدارة النادي التوجه للإنتاج السينمائي لتسديد ديون النادي، ورواتب اللاعبين، والأفلام المطروحة هي: الفيلم الأول : بطل الدوري «فيلم تاريخي»، الفيلم الثاني: سامي ويوسف «فيلم مرعب»، الفيلم الثالث: البحث عن اللقب «فيلم دراما حزين»، الفيلم الرابع: عفواً البطولة نصراوية «فيلم كوميدي»... ويبدو لي من خلال قوة وجرأة هذا العمل المتعوب عليه، أن مخرجه «هلالي»! لكن لنتفق أننا في زمن الأسلوب الساخر، والكتابة الساخرة كما هو معروف «فن» مستقل بذاته، وله أساتذته وعمالقته في الوطن العربي، إلاّ أنني لست مع من يستخدم هذا الأسلوب في الكتابة للتقليل من عمل الآخرين وتجريحهم، أو الانتقاص منهم، أو التهكّم عليهم، فتلك خصال غير حميدة، ولا تدخل في إطار الروح الرياضية! [email protected]