فجّّر مقال حمل عنوان «هجوم متوحش على وجهة الجزائر من طرف لوبوتي فوتي» كتبه الصحافي الجزائري المتخصص في الشؤون السياحية مراد كزار ونشرته يومية «الوطن» الفرنكوفونية الجزائرية، جدلاً واسعاً سرعان ما انتقل صداه إلى الضفة الأخرى من المتوسط بعد اتهام الكاتب الجزائري الدليل السياحي الفرنسي بالعنصرية ضد الجزائر وبالإساءة إلى الجزائريين بسبب مضمون عدد من صفحات طبعته الرابعة التي تباع في الجزائر. والأدهى - بحسب الكاتب - أن ذلك يتم بأموال الجزائريين، إذ تشتري شركات جزائرية كبرى مساحات إعلانية في الكتاب - الدليل. «قانون الأسرة الجديد المقدم من طرف الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في آذار (مارس) 2005 أبعد ما يكون عن الرضا... الأيديولوجيا الإسلاموية سوّدت تماماً نظرة الرجال إلى النساء. إنك ترى النساء ولا تعرفهن. هناك، إما أن يتم تجاهل المرأة أو لومها والتي بمجرد وجودها ستوقعك في شباك الشر. كما في أي مكان آخر وربما أكثر من أي مكان آخر، غالباً ما تجرى إهانة النساء بل ضربهن... إنه دائماً أمر عادي بالنسبة إلى رجل جزائري أن يرفع يده على زوجته أو صديقته أو أخته...». كل هذه الجمل المأخوذة حرفياً من الصفحة 105 المخصصة للمرأة في هذا الدليل ولا يمكنها إلا أن تشكل عبارات جارحة ومسيئة لشعب بأكمله - يقول مراد كزار، صاحب المقال - الذي يوضح ل «الحياة» إن كلاماً أخطر من ذلك ورد في صفحات أخرى مثل الصفحة 388 التي يتهم فيها الدليل نساء من جنوبالجزائر بممارسة الدعارة مع عساكر فرنسيين غداة الحرب العالمية الثانية من أجل تأمين مهور زواجهن، وهو المثال الذي لم يستشهد به في مقاله في جريدة «الوطن» احتراماً لمشاعر مواطني تلك المنطقة. ويوضح كزار أنه قرأ النسخة الورقية للدليل السياحي الفرنسي للمرة الأولى في تموز (يوليو) الماضي، عندما صدرت طبعته الرابعة. «وقد صُعقت لما وجدت فيه، إذ لم يترك جانباً إلا أساء فيه للجزائر، فضلاً عن تلفيق الأكاذيب مثل إشارته إلى الحواجز الأمنية مصوراً أن بعضها تقيمه ميليشيات القوات الخاصة، وهذا أمر لا وجود له، إضافة إلى وصفه السلطة بالمافيا السياسية والمالية، إلى غير ذلك من الصور البشعة». ويتساءل كزار عمن سيقرر زيارة الجزائر بعد هذا الكلام الذي لا مكان له والذي ورد في دليل سياحي تمول 30 في المئة منه شركات جزائرية حكومية كبيرة مثل «الخطوط الجوية الجزائرية» و «الديوان الوطني الجزائري للسياحة» وشركة «اتصالات الجزائر» (موبيليس) والتي تشتري مساحات إعلانية كبيرة فيه، معلقاً: «لقد مولنا دليلاً سياحياً لإهانتنا»! ويضيف كزار أن ما ورد في هذا الدليل أشبه بوثيقة منظمة لحقوق الإنسان أو حزب معارضة، أما الكتابات السياحية التي تهدف إلى تشجيع القراء على زيارة البلد فلم يكن لها إلا مكان قليل في الدليل. وكبقعة زيت، انتشرت اتهامات الكاتب الجزائري ضد الدليل الفرنسي واهتمت بها وسائل الإعلام الجزائرية خصوصاً المواقع الإخبارية مثل موقع «دي.أن. آ» الذي نشر تحقيقاً حول الموضوع، وكذلك فعلت وسائل الإعلام الفرنسية كمجلة «باري ماتش» الأسبوعية الشهيرة وموقع وصحيفة «لوبوست». وانتقل السجال إلى ال «فايس بوك» الذي احتوى تعليقات من القراء. وجاء الرد من جون بول لابورديت، مدير مجموعة «لوبوتي فوتي» (ناشرة الكتاب - الدليل) الذي «دُهش من الانتقادات التي وجهها الكاتب إلى دليل الجزائر، خصوصاًً - كما قال - إنها ليست المرة التي تنشر فيها أكثر تلك المقاطع، معتبراً أنه من حق من يكتب في مجموعته أن يعبر عن الأشياء كما يحسها. واتهم الناشر الفرنسي الصحافي الجزائري باستعمال الرأي العام الجزائري لأن شركة السياحة التي يملكها الأخير لم تذكر في طبعة 2009 - 2010، معتبراً أن دليله هو أول من روج للسياحة في الجزائر عام 2004، وأن الكي دورسيه عبر له عن عدم رضاه عما يفعله لمصلحة السياحة في الجزائر». لكن كزار يرى ان لابورديت حرّف الحقيقة لأن شركته مذكورة في الصفحة 361 من الدليل، مستشعراً تهديداً بعدم إدراجها في المستقبل بسبب ما كتبه، «وهذا أمر لا يهم» بحسب رأيه، «لأن ما ورد لا يمكن السكوت عنه». ويكشف كزار ل «الحياة» أنه شارك في تنقيح وصوغ الجزء المتعلق بمنطقة شمال شرق الجزائر في هذه الطبعة، مضيفاً: «اتصل بي مسؤولو الدليل وطلبوا مني تصحيح أربعين صفحة تتعلق بمنطقة شمال شرق الجزائر، وفعلت ذلك مجاناً من باب المساهمة في الترويج للسياحة في البلد، خصوصاً أن هذا الدليل هو أكبر دليل سياحي فرنكوفوني لجهة الإقبال على قراءته. وصدر الجزء الذي قمت بصياغته كما هو من دون تحريف، وهذا ما جعلني أكتشف أن مسؤولي هذا الدليل يتعاملون مع صحافيين جزائريين آخرين وأن كل من يريد التعبير عن رأيه يفعل». ويعود صدور النسخة الأولى من دليل «لوبوتي فوتي» إلى تسعينات القرن الماضي، ويبيع 99 في المئة من منشوراته في فرنسا بينما يوزع 1000 نسخة في الجزائر. وبسبب هذا الجدل ارتفعت مبيعاته، وفقاً للقائمين على مكتبة «العالم الثالث» الشهيرة في الجزائر العاصمة. وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها هذا الدليل مشاكل مع الغير، إذ سبق أن تقدم عمدة منطقة ميلوز الفرنسية بشكوى ضده بسبب الإساءة إلى السياحة في منطقته وقاضاه. أما مسؤولو الدليل فيعتبرون التطرق إلى السلبيات جزءاً من حرية دليلهم وخصوصيته. ويتمثل جديد إفرازات هذا الجدل في الجزائر في منع الحكومة مؤسساتها من الإعلان فيه، بحسب كزار، بينما لم تصدر أخبار عن أي قرار بمقاضاة تلك الشركات للدليل المذكور حتى الآن، فيما أعلن مدير المجموعة الفرنسية أنه سيراجع بعض المقاطع محل الاستياء ليصححها في الطبعة المقبلة.