على رغم أن السعودية تُعد من المناطق المستقرة نسبياً زلازلياً، مقارنة في دول مجاورة. فيما تعتبر منطقة وسط المملكة «آمنة جداً»، ونشاطها الزلزالي ضعيف جداً، إلا أن البلاد شهدت بعض الهِزات والزلازل وحتى البراكين، وهو ما وثقته هيئة المساحة الجيولوجية. وقدرت مصادر تاريخية أن المملكة شهدت على أقل تقدير عبر الألف سنة الماضية، حدوث زلازل شعر بها الأهالي في حدود المملكة، وعُرفت أماكن وقوعها بشكل تقريبي جداً، نظراً لانخفاض عدد السكان وقلة السجلات في الماضي. وتعتبر الإحصاءات الحالية إلى أن السجلات التاريخية حول الأنشطة الزلزالية غير مكتملة إلى حدٍ كبير، حتى بالنسبة للزلازل التي بلغت قوتها 6 درجات أو أكثر من ذلك. إلا انه من بين الأحداث الموثقة بشكل جيد وقوع انفجار بركاني، وتدفق الحمم البركانية في حرة رهاط قرب المدينةالمنورة في العام 1256م، والذي صاحبه نشاط زلزالي ملحوظ وما تزال هذه المنطقة تشهد نشاطاً زلزالياً منخفضاً حتى الآن. وفي الآونة الأخيرة، وقع زلزال متوسط في العام 2009، بلغت قوته 5.4 درجة في حرة الشاقة (لونيير) إلى الشمال من مدينة ينبع، مرتبط في نشاط الجسم الصهاري في أعماق القشرة الأرضية الضحلة، وعلى رغم أنه لم تحدث سوى أضرار طفيفة في الممتلكات. إلا أن هيئة المساحة الجيولوجية أشارت إلى احتمال حدوث مخاطر مرتبطة في الزلازل التي يشهدها الدرع العربي. وتتركز غالبية النشاط الزلزالي في منطقة حرة الشاقة شمال شرق ينبع، والتي يصفها الجيولوجيون بأنها «حقل من الطفوح البركانية البازلتية»، إذ رصدت الهيئة حشوداً من الهِزات في العام 2007، بلغت حوالى 30 ألف هِزة. لكن أشهر زلزال في تاريخ البلاد حدث قبالة بلدة حقل (منطقة تبوك)، حين ضربت المنطقة هِزة أرضية في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 تقدر قوتها ب 7.2 على مقياس (ريختر)، تبعتها هزات ارتدادية عدة تأثرت بها تبوك ومركز البدع وأدّت إلى أضرارٍ وقتها. وذكرت مصادر محلية أن شخصين قُتلا بسبب الهزة وتوابعها، وقدّر مختصّون عدد الهِزات الارتدادية بحوالى 3 آلاف هزة، منها 90 هزة محسوسة فقط، واستمرت ثلاثة أشهر. وفي آيار (مايو) من العام 2009، حدث نشاط زلزالي ملحوظ إذ رصدت المراصد الزلزالية حوالى 950 هِزة خلال فترة ثلاثة أسابيع، بما فيها ذلك الزلزال الذي شعر به سكان بلدة العيص. وفي 19 من الشهر ذاته حدث زلزال بقوة 5.6 ريختر، تسبب في أضرار للبلدة. وتعد منطقة خليج العقبة القريبة من بلدة حقل الحدودية، نشطة زالزلياً أيضاً، إذ تم رصد أكثر من 4 آلاف زلزال في الفترة بين 1983 و2006. وأثناء الحدث الذي وقع في 19 آيار (مايو) 2009، ظهرت تشققات سطحية بطول 8 كيلومترات في الجزء الشمالي من سطح حرة الشاقة، وأوضحت الصور الفضائية الأولية التي اتقطها القمر الاصطناعي حدوث رفع في سطح الحرة، على مدى عشرات الكيلومترات في المنطقة، وحدوث أخدود خسفي مركزي، ووجود انتفاخ في منطقتين على جانبي القاطع الحديث وانخساف بينهما. وعلى رغم الانخفاض في مستوى النشاط الزلزالي حالياً، واصلت هيئة المساحة الجيولوجية مراقبة المنطقة من كثب. ويحفل تاريخ المنطقة القديم بزلازل عدة، إذ حدث زلزال في العام 854م، وأدى إلى مقتل أشخاص، وفقاً لما ذكرت كتب تاريخية، وحدث زلزال آخر في تيماء في العام 1068م، وأدّى إلى مقتل 20 ألف شخص بحسب مصادر تاريخية، لكن أشهرها الزلزال الذي ضرب المدينة بسبب ثوران أحد البراكين في العام 1256م، واستمرت معه هِزات وتوابع لمدة ثلاثة أشهر، وفقاً لما ذكر مؤرخون. ويعد جنوب البلاد هو الآخر عرّضة إلى حدوث زلازل، إذ شهد أكثر من 300 زلزال بين العامين 1900 و2006، راوحت قوتها بين 3 درجات و6.6 درجة على مقياس ريختر. وكان زلزالاً ضرب اليمن في العام 1941، شعر به سكان جازان. وحدثت هزات خفيفة في بلجرشي في العام 1985، ورصدت المراصد زلزالاً وقع العام 1993 بقوة 4.5 ريختر شرق جازان، وآخر العام 1995 في منطقة سد ملاكي شرق أبي عريش بقوة 4.7 ريختر. وقال جيولوجيون إن أكبر زلزال متوقع أن يحدث في المنطقة سيكون في البحر بقوة 7 ريختر وعلى اليابسة بقوة 6 ريختر. أما هجرة حرض الواقعة جنوب محافظة الأحساء، فشهدت خلال الأعوام العشرة الماضية عشرات الهزات الأرضية، التي سجلتها المراصد السعودية. وكذلك شعر السكان في مدن وقرى الأحساء، إضافة إلى مدن الدمام والظهران والخبر والقطيف بهزات مماثلة، خصوصاً في العام 2014. ويربط جيولوجيون بين النشاط الزلزالي في صفيحة زاغروس (إيران)، وبين الهزات التي تتعرض لها المنطقة الشرقية ودول الخليج الأخرى، فيما يعزوها آخرون إلى عمليات استخراج النفط من أعماق الأرض. بدوره، طالب رئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض المشرف على مركز الدراسات الزلزالية في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العمري، بتطبيق «كود البناء» الذي استغرقت فترة إعداده جهود خمسة أعوام وجٌمعت عناصره في 10 مجلدات، لم يٌفرض تطبيقه على المباني والمنشآت، سواءً الخاصة أم حتى الحكومية، لمواجهة تداعيات الهزات والزلازل المحتملة. وأشار إلى أن كلفة تطبيق الكود لن تتجاوز ثلاثة في المئة من قيمة المبنى الأساسية. وعن تطبيق الكود في المباني القائمة والمنشآت الحساسة، مثل المدارس والمستشفيات وغيرها، أوضح العمري في لقاء سابق مع «الحياة» أن ذلك ممكن من خلال تدعيمها لمقاومة وامتصاص الهزات الناتجة عن الزلازل. وأكد أن استحداث إدارة مستقلة لإدارة الكوارث تابعة لمجلس الوزارء أحد الحلول الممكنة لجهة تفرض تطبيق «الكود الوطني» على المباني والمنشآت في المملكة، مشيراً إلى وجود فجوة بين الجهات المعنية، فإدارة الكوارث التابعة للدفاع المدني مثلاً تطالب بأن تكون «إدارة الكوارث» تحت مظلتها، على رغم نقص الخبرات العلمية لديهم، إذ يتركز دورهم في التعامل مع الطوارئ وعمليات الإخلاء والإيواء. في حين يكمن دور الجمعية في تحديد الزلازل ومواقعها ودرجة خطورتها.