وجّه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة المرشح المستقل لانتخابات الرئاسة المقررة في التاسع من نيسان (أبريل) المقبل، نداء واضحاً إلى قيادات تاريخية في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة يدعوها فيها إلى الاعتذار للجزائريين. وقال بوتفليقة متحدثاً عن ملف المصالحة الوطنية أمس: «الذين أضلّوا الطريق وأضروا بالجزائر في العواصم الخارجية وفي الجزائر لا بد أن يعترفوا بخطئهم أمام الشعب، وإن لم يفعلوا فعليهم البقاء بعيدين عن ديارنا». وكان الرئيس الجزائري المرشح لولاية رئاسية ثالثة يتحدث في خطاب أمس في ولاية تيارت (300 كلم جنوب غربي العاصمة) ضمّنه كثيراً من «الرسائل» المتصلة بملف المصالحة الوطنية وموقع بعض قيادات جبهة الإنقاذ المحظورة منه. وقال بوتفليقة الذي لبّى دعوة لحضور ملتقى حول المصالحة الوطنية من تنظيم منتدى المثقفين الجزائريين، في خامس يوم من الحملة الانتخابية، إن «أبواب الأخوة والمصالحة الوطنية والحوار ما زالت مفتوحة». لكنه لفت إلى أن كثيراً من «الحساسية» كانت رافقت هذا الموضوع (تجسيد المصالحة). وأشار إلى أن المصالحة الوطنية «لا يمكن ربطها بتاريخ محدد يبدأ وينتهي بمدة». ثم فتح هامشاً بدا أن المعني به هم قادة في جبهة «الإنقاذ» المحظورة، إذ قال: «الذين أضلّوا الطريق وأضروا بالجزائر في العواصم الخارجية وفي الجزائر لا بد أن يعترفوا بخطئهم أمام الشعب، وإن لم يفعلوا فعليهم البقاء بعيدين عن ديارنا». وأضاف بوتفليقة قائلاً: «قد يعتقد الذين كانوا سبباً في المأساة الوطنية أنهم أضروا بالحياة اليومية للمواطنين فقط، لكنهم في الحقيقة مسّوا بشرف الجزائر وشعبها في الخارج وحوّلوا الجزائر إلى مجزرة ذبحوا فيها الأطفال والنساء». ولم يسمّ بوتفليقة المقصودين في خطابه بالإسم، لكنه وجّه اتهامات إلى أطراف جزائرية لم يسمها أيضاً بالتآمر ضد البلاد من الخارج: «حتى وإن اختلف هؤلاء مع الحكومة فإن الأمر لا ينبغي أن يصل إلى التآمر على حكومتهم وبلدهم»، موضحاً في الوقت نفسه أن الجزائر تُعتبر «البلد الوحيد الذي يتآمر عليه أبناؤه من الخارج». وزاد: «نحن نعيش في هذا العالم حتى ولو أضعفتنا الأزمة فقد خرجنا منها أقوى مما كنا عليه». وسرت تكهنات بأن بوتفليقة كان يشير تحديداً إلى علي بن حاج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ وزعيمها عباسي مدني، وكلاهما دعا إلى مقاطعة انتخابات الرئاسة. وأشاد بوتفليقة برد فعل الشعب الجزائري الذي كان ب «المرصاد» للذين تسببوا في الأزمة، وحيّا أفراد الجيش الجزائري ومصالح الأمن نظير دورهم في «حماية الجمهورية». كما حيّا عناصر الدفاع الوطني (الذاتي) واعداً بحفظ حقوقهم «عرفانا لما قدّموه للجزائر خلال تلك الفترة» (حقبة التسعينات). ودافع بوتفليقة عن تركيبة التيارات التي تمارس الحكم دخل الجهاز التنفيذي للدولة، بما في ذلك الإسلامية، وقال «الدولة ليست أوهاماً تقرأ في الكتب، فالجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية تمخّضت أثناء حرب التحرير» ضد فرنسا و «أُسست على مبادئ إسلامية، والدليل على ذلك هو تشكل التحالف الرئاسي من حزبين وطنيين وحزب إسلامي مشارك في الحكومة منذ 1999»، وقال إن هذا الحزب «يمثّل الإسلام الهادئ المبني على الحوار والمنطق». ويقصد بذلك حركة مجتمع السلم. مدني مزراق... سقط القناع وتزامن خطاب بوتفليقة مع بيان أصدره أمس «الأمير الوطني» السابق ل «الجيش الإسلامي للإنقاذ» المنحل، مدني مزراق، شن فيه هجوماً عنيفاً على الرئيس الجزائري. وقال إنه بعد عشر سنوات من «التطبيل والتهليل» لمشروع المصالحة الوطنية و «في خرجة غريبة يطل علينا المرشح المستقل عبدالعزيز بوتفليقة بتصريح غريب» يقول فيه عن قيادات الجبهة المحظورة «هناك أصوات تقول بأنني لم أعطهم حقوقهم، لكن الشعب هو من يعطيني الحق، أنا أدعوكم (التائبين) للعيش وسط الشعب الجزائري، مع أنكم أفسدتم سمعتنا في الخارج». وشن بيان مزراق الذي كان قال قبل فترة قصيرة في مقابلة مع «الحياة» إن بوتفليقة هو «أصلح الموجودين لقيادة البلاد»، انتقاداً عنيفاً للرئيس الجزائري: «أخيراً ظهرت حقيقتك كالشمس في كبد السماء فسقط القناع وانتهى مسلسل الأحلام والأماني». و تساءل: «هل كان شعار المصالحة الوطنية مجرد شعار خدعت به الشعب الجزائري؟». وعدد مزراق كثيراً من التصريحات التي أطلقها بوتفليقة سابقاً، وتتعلق بوعود أطلقها في مصلحة مسلحين سابقين، يطلب فيها الرئيس الجزائري وقتاً للذهاب بعيداً بمشروع المصالحة. ولفت مزراق إلى أن العناصر السابقة في «الجيش الإسلامي للإنقاذ» المنحل تفهّمت كلام بوتفليقة سابقاً عن «التوازنات الوطنية» لمّا كان يروّج للمصالحة في نهاية 2005، في إشارة إلى أن المسلحين السابقين لا يتفهمون الآن موقفه من التأخر في تطبيق المصالحة. واتصلت «الحياة» بمدني مزراق للتحقق من أن البيان منسوب فعلاً إليه فأكد صحته، وقال: «لقد تابعنا سريان الحملة الانتخابية منذ بدايتها ووجدنا ألغازاً في كلام الرئيس المرشح بوتفليقة». وعن التناقض في موقفه الجديد مع سابقه المؤيد لبوتفليقة، قال: «فعلاً إلى وقت قريب كنا نرى أن بوتفليقة سيتوجه إلينا أخيراً بعدما راعينا رجاءه لمّا تحدث عن التوازنات الوطنية، لذلك نقول الكلام الحسن إذا توافرت النيات الحسنة، ونقول الكلام الغليظ والخشن حين نسمع ما لا يناسبنا». وزاد: «منذ عشر سنوات ونحن ندعم خطوات المصالحة وننتظر وعود الرئيس لكننا تفاجأنا أيما مفاجأة بما يقوله في حملته الانتخابية». وكانت وكالة «فرانس برس» نقلت عن الرئيس بوتفليقة قوله السبت في مدينته تلمسان في الغرب الجزائري، تنديده ب «اولئك الذين دمّروا البلاد» ويطالبون الآن بتعويضات مع عودة الوضع الى طبيعته. وقال متوجهاً إلى «التائبين» الذين جرد الكثير منهم من حقوقهم المدنية: «لا يمكنني أن افرض على الشعب قبول عودتكم إلى المجتمع لأن الشعب هو الوحيد القادر على منحكم» رد الاعتبار والحقوق.