طفل في السابعة من عمره يتعرض للعنف المنزلي يومياً. أمه تطالبه برعاية شقيقه الرضيع وتمنعه من اللعب مع أقرانه. أبوه يضربه ضرباً مبرحاً كلما اقترف خطأ طفولياً. وبعد انتهاء «وصلة» الضرب، يُمنع من تناول الطعام عقاباً له. جداه لوالده متوفيان، وجداه لوالدته يعيشان في مدينة أخرى، ولا يتذكر أنه رآهما من قبل. إلى من يلجأ؟ فتاة شابة تشكّ في أن أخاها الأكبر مدمن مخدرات، لكنها لا تستطيع البوح بشكوكها لوالديها اللذين لا يريان سوى الجانب المضيء من ابنهما الشاب المفتول العضلات. هي تعرف أن شكوكها ستفسر أنها غيرة من شقيقها صاحب السطوة. والصلة بينها وبين أعمامها وأخوالها فاترة، لا تراهم أكثر من مرة أو مرتين في العام، وفي المناسبات. كيف تتصرف إزاء شقيقها؟ شاب أقام علاقة مع فتاة ليل، ويخشى أن تكون نقلت له مرضاً جنسياً معدياً. ويخشى أيضاً أن يصارح أصدقاءه، خوفاً من وصمه. مصارحته بما حدث لوالديه مستحيلة. والتوجه لعيادة طبية أمر محفوف بالمخاطر، لأنه يخشى أن يُحتجز إذا اكتشفوا أنه مصاب بالإيدز. ماذا بوسعه أن يفعل؟ آلاف المشكلات اليومية تجتاح الأسر المصرية، شأنها شأن بقية شعوب الأرض، بينما تقف عاجزة عن حلها، على رغم التغيرات الاجتماعية التي طرأت. حتى سنوات قريبة، بقيت الأسرة المصرية قادرة على حل مشكلات كثيرة والإمكانات متاحة أمامها. ذلك أن تقارب أفراد العائلة الممتدة، سواء جغرافياً أم اجتماعياً، كان يوفر لها «رفاهية» المشورة، على الأقل. يذكر حامد (72 سنة)، وهو أب لثلاثة أبناء وجد لسبعة أحفاد، أنه وقت كان طفلاً ومراهقاً، كان لديه من الآباء أربعة وعدد مماثل من الأمهات، وهذا غير الأجداد والجدات. ويقول: «كان أعمامي وعماتي كلهم يسكنون إما في البيت ذاته، وإما في المنطقة ذاتها. فإذا وقعتُ في مشكلة أو ارتكبتُ خطأ، ووجدت نفسي خائفاً من اللجوء إلى أبي، ألجأ إلى أحد أعمامي الذي كان يتدخل فوراً لحلها، والتوسط لي لدى أبي. أصدقائي أيضاً كان معظمهم من أقاربي. ولذا كنا نتجنب الوقوع في مشكلات أو اقتراف أخطاء، لأننا كنا نعرف تماماً أن ما نفعله سيصل بطريقة أو بأخرى إلى ذوينا». ويستطرد الجد بحسرة: «اليوم، أعيش وحيداً بعد وفاة زوجتي في بيتي في حلوان، ويعيش أبنائي الثلاثة مع زوجاتهم وأبنائهم في ثلاث مناطق متباعدة تماماً في القاهرة الكبرى. وقلما أراهم، وبالتالي أكاد لا أعلم شيئاً عن أحفادي باستثناء شكلهم، ربما». المدنية «المتوحشة» التي أحدثت خللاً في تركيبة الأسرة وشلت قدرتها على التدخل لحل المشكلات، استحدثت «حلاّل مشاكل» من نوع آخر، اسمه «الخطوط الساخنة» التي انتشرت انتشاراً واسعاً النطاق ومتعدد الجبهات: «الخط الساخن لدعم النساء»، «الخط الساخن لمواجهة جشع التجار»، «خط المشورة الأسرية»، «الخط الساخن للإيدز»، «خط الباحثين عن صديق»، «الخط الساخن للوقاية من الإدمان»، وغيرها العشرات من الخطوط الساخنة أيضاً، الأهلي منها والخيري والحكومي، التي تحاول ملء فراغ اجتماعي ونفسي متزايد. وعلى رغم الشكوك التي حامت حول مثل هذه الخطوط في بداية ظهورها في مصر قبل سنوات، والإشاعات التي سرت حول وجود جهات أجنبية تبحث عن معلومات حول أدق تفاصيل حياة المصريين من خلالها، يعكس الوضع الحالي ثقة كبيرة بها وبالمساعدة والمشورة من خلالها، ويعكس أيضاً غياب بدائل أخرى. أحمد (20 سنة)، أحد الأشخاص الذين طلبوا المشورة من الخط الساخن لعلاج الإدمان، بدأ يجرّب أنواعاً مختلفة من المخدرات مع أصدقائه على سبيل التسلية. ولكنه، بعد وقت، شعر أن الموضوع لم يَعُد تسلية، وقد أصبح يتوق إليها، قبل أن يلمح إعلاناً عن الخط الساخن الخاص بالإدمان. فاتصل بالمركز، وهو يخشى أن يبلّغ عنه. يؤكد أحمد أن الأمور سارت على خير ما يرام، وعوملت حالته بمنتهى السرية والخصوصية. حتى والدته لم تعرف شيئاً خلال فترة العلاج، لكنه أخبرها بعد أن تعافى. ويقول: «لم يكن في مقدوري أن أخبرها بالأمر، إذ لم أكن أتوقع رد فعلها. لكن المساعدة التي تلقيتها أمدتني بالثقة بنفسي، فصارحتها بعد ما توقفت تماماً عن تعاطي أي مواد». وقبل أيام، كشفت وزارة الأسرة والسكان زيادة كبيرة منذ بداية شهر رمضان في عدد الاتصالات يستقبلها خطا «المشورة الأسرية» (16021) و «نجدة الطفل» (16000)، حتى أن بعض المكالمات كانت من دول عربية. وزيرة الأسرة والسكان، مشيرة خطاب، تفسر هذه الزيادة بأنها تعكس احتياج المصريين للتحدث عن مشكلاتهم الاجتماعية والنفسية عبر وسيلة سرية، والحصول على المشورة والمعلومات الآمنة. يذكر أن غالبية الاتصالات التي استقبلها خط المشورة الأسرية كانت عن الخلافات بين الأزواج، لا سيما الحديثين منهم. آلاف القصص وراء الاتصالات بالخطوط الساخنة، والغالبية المطلقة منها يعكس حياة رخوة مفككة، لا سيما على مستوى الأسر الممتدة، وتباعداً جغرافياً عائلياً غير مسبوق، إضافة إلى إيقاع متسارع للحياة، لا يترك وقتاً يضحي به أفراد العائلة الواحدة، لحل مشكلة هنا أو إعطاء مشورة هناك. وعلى رغم إيجابية ظاهرة انتشار الخطوط الساخنة، التي تملأ فراغاً عائلياً كبيراً، هناك مخاوف من أن تساهم هذه الخطوط في مزيد من التباعد الأسري، فنجد الأب منشغلاً بالاتصال بالخط الساخن الخاص بالأزواج المحبطين، والأم تتحدث مع المتطوعة في الخط الساخن للزوجات المعنفات، والابن يستغيث بالخط الساخن للأطفال في خطر، والابنة تبحث عن رقم الخط الساخن لمشاكل المراهقات، والخادمة تتحين الفرصة لطلب الخط الساخن لنجدة الخادمات المعذبات... والكلب يبحث عمن ينوب عنه، عبر الاتصال بالخط الساخن للحيوانات الأليفة المهملة عاطفياً!