يشارف موسم التمور في منطقة الجوف على الرحيل مع أيام الصيف الأخيرة في المنطقة، وتعد تمرة «حلوة الجوف» آخر النخيل حصاداً، وقد تكون الوحيدة الموجودة رطباً في الأسواق هذه الأيام. وعلى رغم أن منطقة الجوف عرفت بانتاجها للزيتون، إلا أنها اشتهرت بإنتاج التمور، إذ ذكر المؤرخون والرحالة الأوربيون الذي زاروا المنطقة ذلك، ومنهم الرحالة الإنكليزية الليدي آن بلنت التي مكثت في الجوف العام 1879، بضعة أيام بحسب ما ورد في كتاب «وادي نفاخ» لأمير منطقة الجوف السابق عبدالرحمن السديري. وتحدثت بلنت عن «حلوة الجوف»، وقالت عنها إنه بالإمكان أن نستخلص أو نصنع منها السكر العادي. وذكرت بلنت في كتابها «رحلة إلى بلاد نجد» في إحدى يومياتها: «هناك من أنواع التمور في الجوف بقدر ما لدينا من أنواع التفاح في بساتيننا، وأن كل واحد يختلف عن الآخر اختلافا شديداً، والنوع الذي نفضله في الأكلات العادية ذو لون أشقر قليلاً قارش وأكثر استدارة من الحلاوة، ومن الخطأ الاعتقاد أن التمور الطازجة هي الأفضل، بل العكس تزداد طراوة مع الوقت». وتحظى النخلة في منطقة الجوف بمكانة عالية عند الأهالي، خصوصاً «حلوة الجوف»، وتعد واحدة من أشهر نخيل الجزيرة العربية وأطيبها على الإطلاق، ومنطقة الشمال عموماً تشتهر بأنواع «الحلا»، وهو جمع «حلوة»، وتحمل في الغالب أسماء بعض المدن والمحافظات، لكن تبقى «حلوة الجوف» الأكثر شهرة، وقد ارتبطت في تاريخ منطقة الجوف. وتعد «حلوة الجوف»، التي تتميز بحلاوتها، من أشهر أنواع التمور في المنطقة التي تشهد أسواقها إقبالاً كبيراً من المستهلكين عليها، لكبر حجم ثمرتها، وليونتها، ما يسهل هضمها، إضافة إلى احتوائها على نسبة كبيرة من الفيتامينات والفوائد الصحية، ويدفعهم إلى ذلك أيضاً تعدد استخدامات هذا النوع من التمور، إذ يستخدم في صنع أشكال عدة من الحلويات، من أشهرها البكيلة ومعمول التمر والكعك وغيرها. وتزرع في منطقة الجوف أنواع كثيرة من التمور، منها: الحسينية، وقسبة مدق، وبويضا خذماء، الا ان «حلوة الجوف» هي الأميز. وأرجع البائع خالد العنزي سبب إقبال الناس على «حلوة الجوف»، إلى تميزها بأنها تؤكل في جميع حالاتها، سواءً أكانت بسراً أو تمراً أو حشواً، وكذلك تحتفظ بجودتها ولا تفسد، وقد يصل الوقت في تخزينها حتى خمس سنوات، إذ إنها لا تتأثر في الطقس، ولا تحتاج إلى مواد حافظة أو تغليف، بخلاف بعض التمور الأخرى التي لا تؤكل حتى تنضج. وقال العنزي: «يُميز حلوة الجوف تدني أسعارها، مقارنة في جودتها، ما يغري الكثيرين على شرائها»، مرجعاً ذلك إلى كثرة النخيل في المنطقة، إذ يصل سعر القنو الذي يزن 60 كيلوغراماً، إلى 70 ريالاً، فيما يصل سعر تنكة الحديد منها 200 ريال. وأوضح المدير العام للإدارة العامة لشؤون الزراعة في الجوف محمد العطوي، أن عدد أشجار النخيل في المنطقة يبلغ 1.200.000 نخلة، فيما يبلغ عدد مزارع التمور 5000 مزرعة، تنتج 11 ألف طن. وتعد الصناعة اليدوية في المنطقة هي الأبرز لصناعات التمور، ويطلق عليه التمر المكنوز. وتقول أم فيصل (إحدى السيدات التي تقوم بكنز التمر في الجوف): «إن تخزين التمر يحتاج إلى اتباع طرق مثالية لتخزينه، فهناك طريقتان مميزتان لحفظ وتخزين التمور الأولى هي تخزين التمور في ثلاجات التبريد بعد تنظيفة، والثانية هي حفظ التمور من طريق تعبئتها وتغليفها بعبوات خاصة وبأحجام مختلفة، وتدعى هذه الطريقة بالضمد (الكنيز)»، مشيرة إلى أنها الطريقة الوحيدة لحفظ تمر «حلوة الجوف». ويتم كنز التمور على مراحل أولى مراحلها تكون بفرز التمر وتصنيفه بحسب حجمه ولونه ونسبة رطوبته، بحيث لا تتعدى 30 في المئة، وفي الثانية يتم تنظيف التمر وإزالة الشوائب الموجودة على سطحها كالغبار وغيرها، وفي المرحلة الثالثة يتم نشر التمر على غطاء يقيه من الارض في الشمس لأيام حتى تتبخر الرطوبة من حبة التمر وينضج، وفي المرحلة الرابعة والأخيرة تعبأ بعد تنظيفها في اكياس بلاستيك مناسبة مع ضغطها براحة اليد لتفريغ الهواء، ثم يتم ربط الكيس وتركه تحت أشعة الشمس لبعض الوقت، وبعد ذلك يتم رصد الأكياس على سطح مستوى ثم نضع لوحاً خشبياً فوق الأكياس مع وضع أثقال فوقه، سواءً من الحجر أو غيره، ثم يترك لأيام حتى يظهر الدبس على جانبي الكيس، بعد ذلك تحفظ العبوات أو الأكياس في مكان جيد التهوية. ونظراً لما تمتلكة الجوف من أشجار النخيل، فقد قام مجلس شباب الجوف أخيراً، بعقد ورشة عمل بعنوان «تمور النخيل جنيها واستثمارها» في محافظة دومة الجندل بحضور أكثر من 30 شاباً، تعرفوا من خلالها على أنواع التمور في المنطقة، وطريقة تلقيح الطلع مروراً في جنيه ومعرفة طريقة الحشو والتخزين من خلال تدريب عملي من طريق صعود النخل. ومع الاهتمام البالغ من أبناء المنطقة وتعلقهم بهذة الشجرة، انطلقت في العام 1435ه النسخة الأولى من مهرجان «حلوة الجوف للتمور» في محافظة دومة الجندل. ونجح المهرجان في جذب الأنظار لتمور المنطقة، فيما شكل نافذة تسويقية لتمور المنطقة. ويقول رئيس بلدية محافظة دومة الجندل المهندس فهد المغرق (المنظمة للمهرجان): «إن مزارعي المنطقة عامة ومحافظة دومة الجندل خاصة لمسو القيمة الاقتصادية لزراعة التمور عبر تسويقه في المهرجان، فأصبح الجميع يعمل على تطوير المنتج وتسويقه، وشاهدنا إبداع وتنافس في تعبئة التمور بطرق مختلفة وجديدة وأنواع عديدة الحلويات المصنعة من التمور، وهذا ما تسعى له البلدية من خلال تنظيم المهرجان»، مشيرا إلى أن يتم العمل حالياً لتنظيم نسخة هذا العام في إجازة منتصف الفصل الثاني.