كان ينبغي أن تميز المغنية اللبنانية نانسي عجرم بين أغاني الشباب غير الموجودة في إنتاجها الغنائي، وأغاني الأطفال التي أنشدتها في «الدورة الرياضية العربية المدرسية» التي أقيم احتفال إطلاقها في المدينة الرياضية في بيروت قبل أيام. ليس منطقياً أن تغني عجرم « شخبط شخابيط» أو « شاطر شاطر» لجمهور من الشباب، أو لطلاب عرب يزورون لبنان تخطُّوا سنّ المراهقة. الأغنيتان المذكورتان، بالكاد موجّهتان الى أطفال صغار لا يزال الكلام «الملخبط» يلفت انتباههم، أما أن تكونا موجّهتين الى جمهور يقترب من سن العشرين، فذلك خطأ يوضع في خانة سوء التقدير، غير المعروف أن نانسي عجرم ترتكبه أو تقع فيه! لكن، إضافة الى هذه المشكلة، هنالك مشكلة أخرى حصلت في حفل افتتاح الدورة العربية، ومع نانسي بالتحديد، وهي أن الأغاني الثلاث التي أنشدتها، كانت باللهجة المصرية، مع أن الدورة تقام في لبنان، وهي مغنية لبنانية، والجمهور لبناني، والمشاهدون لبنانيون، وحتى المشاهدين العرب لحفل الافتتاح كانوا ربما ينتظرون غناءً لبنانياً فأتاهم غناء... مصري، إذا تجاوزنا مشكلة انه كلام مصري في حفل يفترض أنه لبناني بالكامل، فكيف يتمّ تجاوز أنه كلام للأطفال... في حفل يفترض أنه للشباب؟ إنه ببساطة، «الإستلشاق»، بالتعبير اللبناني، وعدم الاهتمام بالتعبير الفصيح. «الاستلشاق» بالمناسبة التي هي دورة رياضية عربية كبيرة في لبنان، و«الاستلشاق» بالجمهور، و«الاستلشاق» حتى من نانسي بنانسي التي لها جمهور كبير في لبنان والعالم العربي، ولها قدرة عادة، على إعطاء «لكل مقام مقال»، أي لكل مكان غناؤه، فلم تعطِ لهذا المقام مقاله ولا لهذا المكان غناءه؟ ألاَ يطرح هذا الأمر سؤالاً على نانسي عجرم هو: لماذا إنتاجها الغنائي يميل بقوة الى اللهجة المصرية، وأما اللهجة اللبنانية فوجودها محدود؟ ومن هذا السؤال الى سؤال آخر: «ألا ينبغي أن تهتم نانسي أكثر فأكثر بالمواضيع الغنائية، أي بالتنوع في مضمون الأغاني بحيث لا تقتصر على الجانب العاطفي فقط، وصولاً الى تشكيل مروحة من الأفكار والمواضيع الإنسانية ربما، ولا سيما أن لقب نانسي المُعطى لها من الأممالمتحدة كان ينبغي أن يدفعها، منذ أكثر من عامين، الى اختيار «أغانٍ أخرى»، أو بعض الأغاني «الأخرى» التي تُعْنى بشؤون ومواقف من حياتنا ومجتمعنا، إن لم تكن للغناء في كل حفلاتها، فعلى الأقل للغناء في حفلات كحفلة المدينة الرياضية؟ هل يكون صعباً أن تغني نانسي أغنية عن روح الطموح والمستقبل في الشباب العربي؟ هل يصعب عليها البحث عن أغنية عن الصداقة بين الناس مثلاً؟ أو أغنية عن قيمة الفن في زرع الأخلاقيات في المجتمع؟ طبعاً، ليس المطلوب منها أن تكون «مصلحة اجتماعية، أو مُرشِدة... بل المطلوب أن يشتمل انتاجها الغنائي اللبناني والمصري على أغانٍ من هذا النوع لمناسبات كبرى ذات طابع وطني أو اجتماعي أو رياضي كبير. لا أن تحتل العاطفة مساحة كل الأغاني، واذا حصل تنويع فباتجاه أغاني الأطفال لا غير. قلّة من نجوم الغناء تدرك أن وصولها إلى مستوى واسع من الانتشار يحتم عليها التوسع في مستوى أغانيها ومضامينها ليكون الانتشار عمودياً بدل أن يكون أفقياً فقط... أي ليكون بين يدي الجمهور من هؤلاء النجوم، خيارات وألوان. أما الانحباس في خانة واحدة فسيؤدي حتماً الى... مدينة رياضية وأغانٍ للأطفال ونانسي عجرم!