أسقط مجلس الشورى في جلسته أمس توصيتين تطلبان وزارة الإسكان بإعلان تفاصيل عقودها مع شركات التطوير العقاري الأجنبية، ووضع الضوابط والأنظمة المناسبة لمحاربة التكتلات العقارية غير المشروعة بهدف الحد من احتكار الأراضي والمضاربة بأسعارها. وعلى رغم المبررات القوية التي أدرجتها عضو المجلس الدكتورة فاطمة القرني على توصيتها الإضافية التي تقدمت بها على التقرير السنوي لوزارة الإسكان للعام 1435-1436ه، وتنص على أن «تضمن وزارة الإسكان تقاريرها القادمة تفاصيل تعاقداتها مع الشركات الأجنبية في ما يتعلق بطبيعة المنتجات السكنية من حيث الجودة والتكاليف»، موضحة «مدى إسهام تعاقدات الشراكة تلك في حل مشكلة توفير المساكن بكفاءة وسُرعةَ إنجاز»، إلا أن لجنة الحج والإسكان والخدمات رفضتها. وأثار هذا الرفض القرني، التي وجهت سهام النقد للجنة وعدد من أعضاء المجلس، معربة عن أسفها لأن «لجنة الإسكان أصبحت صوتاً للوزارة وليس للمواطن»، مبينة أنه «على رغم أن التوجه العام للمجلس كان مع تبني التوصية إلا أنها حصلت عند التصويت على تأييد 68 صوتاً في مقابل معارضة 43 صوتاً، ومن ثمَّ لم تَفُز لأن قواعد عمل المجلس تشترط موافقة أكثر من ثلثي الحضور لاعتماد التوصية». وتابعت: «من المؤسف أن مداخلتين غير دقيقتين من عضوين في المجلس أسهمتا في التأثير السلبي على نسبة التصويت، مع أن ما تضمنته مداخلتاهما يمثل تحجيماً للدور الرقابي الذي يُعَدّ المبرر الرئيس لنشوء مجلس الشورى ابتداءً». وأوضحت أن رفض اللجنة للتوصية كان بحجة واحدة عائمة مفادها أن «التوصية متحققة من خلال آلية عمل الوزارة في ما يتعلق بأي اتفاقات تعاقد مع أي جهات خارجية، فكلها تخضع لمراجعة الحكومة والمجلس من خلال التقارير السنوية للوزارة». وأكدت أن «الجزم القاطع بالتحقق من اللجنة لم أجد له شاهداً يذكر في تقارير الوزارة السابقة، بل وحتى في تقريرها الأخير الذي وصل المجلس أخيراً عن السنة المالية 1436-1437ه، الذي حرصت على الاطلاع عليه محاولة أن أجد ذريعةً للجنة». وبينت أنه في شأن تحقق ذلك لدى الحكومة فهذا خارج نطاق مطلب التوصية، ولو كانت الحكومة في غنى عما تنتظره من مجلس الشورى من القيام بدوره التشريعي والرقابي على أداء وزاراتها ومؤسساتها المختلفة، لما أحالت إلينا هذه التقارير ولانتَفَى مبرر وجود المجلس. وبررت القرني تقديمها لهذه التوصية، بما تمت ملاحظته على الوزارة باتجاه التعاقد مع شركات أجنبية، وغموض المعلومات المتعلقة بهذه التعاقدات أو عدم استيفائها في ما يصرح به مسؤولو الوزارة، وكذلك موقعها الإلكتروني، في حين يمكن تَتَبُع تفاصيل بعض هذه المعلومات في مصادر إعلام دولة الشركة الأجنبية التي تم التعاقد معها، إضافة إلى ضخامة مبالغ العقود المبرمة مع بعض الشركات في مقابل تواضع ما سيتم تنفيذه من نسبة المنتج السكني، وطول زمن التنفيذ. وزادت: «التعاقدات التي أعلنتها الوزارة خلال آخر عامين تتمثل في ثلاث صور، أولها تعاقد مباشر بين الوزارة وشركات تطوير عقاري محلية، وثانيها تعاقد مباشر بين الوزارة وشركات تطوير عقاري أجنبية، وثالثها موافقة الوزارة لعدد من شركات التطوير العقاري المحلية بالبيع على الخريطة»، مشيرة إلى أن الوزارة تعمل من خلالها على إنجاز ما يقارب 76 مشروعاً إسكانياً ما بين وحدات سكنية متنوعة، وتطوير أراض سكنية في البلاد. وأوردت العضو ملاحظات على تعاقدات الوزارة، وقالت إنها أغفلت ذكر أسماء شركات التطوير العقاري المحلية أو الأجنبية التي تم التعاقد معها، وآلية المفاضلة بينهما، وهل تمت من طريق نظام المناقصات الحكومية أم لا؟ والكلفة التفصيلية للمشاريع ونسب تحمل كل من أطراف التعاقد من تلك الكلفة، كما تفتقد التحديد الدقيق لمواعيد البدء والانتهاء من تنفيذ تلك المشاريع ومن ثم تمكن المستفيدون من تسلم وحداتهم المقررة لهم. واستطردت قائلة: «كنت ولم أزل آمل بأن نكون صوت المواطن، متسائلة: كيف تصر الوزارة في معظم تصريحاتها على كونها تعمل على تطوير عمل شركات البناء العقارية، وتجويد المنتج السكني، وسرعة تنفيذ المشاريع الملحة، وبخاصة تلك التي تستهدف ذوي الدخول المحدودة والمتوسطة من المواطنين، ولا نرى من حِراكها إلا ما يكاد يعاكس ويناقض كل هذا؟». وقالت القرني: «كيف للوزارة أن تتفق مع وزارة العمل عبر مذكرة (عمل وإسكان) على دعم مقاولي المشاريع وزيادة نسب التوطين في هذا القطاع وهي في المقابل لا تفصح علناً عن أيٍّ من شركات التطوير العقاري مَرْضِي عنه وأيِّها مغضوبٌ عليه؟! وكيف لها أن تُحاسب على التقصير وهي تُغيِّب عنهم النموذج المثالي الذي تُحبِّذه وتُريد منهم أن يرتقوا بدرجة جودة منتجاتهم إليه؟! وأخيراً، ما هي ميزات الشركات الأجنبية التي تَمَّ تجاوز المحلية إليها بما في ذلك بعض الشركات التي تنتمي لإحدى الدول العربية، والتي تسعى الوزارة إلى التعاقد معها على رغم كونها لا تتميز بما يلفت في هذا المجال، إلا إذا عددنا الكثافة السكانية وحوادث سقوط المباني المعمِّرة على رؤوس ساكنيها ميزةً تُذكر فَتُشكر وتُحْتَذى؟!». وأشارت إلى أن الوزارة صدر عنها خلال العامين الماضي والحالي تصريحات كثيرة، يؤكد أحدها أن ما تشرف عليه من مساكن لا يخدم سوى 25 في المئة من مستحقي السكن، ويؤكد آخر أن برنامج القرض المعجل موجه لمن لديهم ملاءات مالية ممن لا يرغبون في الانتظار على قوائم الدعم الحكومي الإسكاني، ويشير ثالث إلى أن نظام البيع على الخريطة يهدف إلى توفير منتج إسكاني عالي الجودة، في ما يؤكد مختصون أنه لن ينتفع به إلاَّ ذوو الدخول المرتفعة من الراغبين في الحصول على سكن، وماذا عن ال75 في المئة أي النسبة الباقية من المحتاجين للسكن؟! غير أن القرني عادت لتؤكد أنها ليست ضد التعاقد مع شركات أجنبية، وقالت: «حاجة الوزارة للتعاقد مع شركات أجنبية ضرورة ملحة لأنها من خلال هذه الشركات ستبدأ في تجاوز آلية البناء التقليدية التي تستهلك مواد بناء باهظة التكاليف، وتستغرق زمناً طويلاً، وتحتاج إلى عدد كبير من الأيدي العاملة، ولنا في إسكان المدن العسكرية وكذلك إسكان بعض الشركات الرائدة خير مثال على نجاح مثل هذه التعاقدات في تحقيق أهدافها في أوقات قياسية». كما أسقط المجلس توصية أخرى تقدم بها عضو المجلس الدكتور أحمد الغامدي تطالب وزارة الإسكان بوضع الضوابط والأنظمة المناسبة لمحاربة التكتلات العقارية غير المشروعة للحد من احتكار الأراضي والمضاربة بأسعارها. وانتقد العضو الدكتور عبدالله الفيفي إسقاط التوصية، وقال: «إنه لا يرى سبباً مقنعاً لعدم موافقة اللجنة، على وضع الضوابط والأنظمة لمنع التكتلات العقارية المؤدية إلى حالات من الاحتكار، وأكد أنه كان من المفترض ألا نكون في مجلس الشورى في حاجة إلى مثل هذه التوصية، لأن ما تضمنته هو من المسؤوليات المفترضة لوزارة الإسكان. أمَّا والوزارة لا تضطلع بذلك، فلا بُدَّ ممَّا ليس منه بُد. وهذا من دور المجلس، الرقابي والتشريعي، الذي لا ينبغي أن يتخلَّى عنه، هو الآخر». وتابع: «هناك صور من الفساد في السوق العقارية، ولستُ أرى من المقبول ألا يكون للمجلس موقفٌ من هذه الظاهرة، أو أن يصوِّت ضدّ المطالبة بوضع ضوابط وأنظمة لشأن من الشؤون التي تمسّ حياة الناس». وزاد: «ولنفترض أنه ليست هناك ظاهرة تكتّل أو احتكار، فهل الأنظمة لا تُسنّ إلا حينما نكون أمام مشكلة قائمة؟ أم أن الأنظمة يجب أن تأتي شموليَّة في معالجتها الراهن من الظواهر وتحوُّطها للمحتمل منها في المستقبل؟! ثمّ هل الرسوم على الأراضي البيضاء»، مؤكداً أن المطالبة بوضع الأنظمة والضوابط لسوق العقار هي من الأوليَّات اللازمة لإيجاد الآليَّات الحاكمة للعقار، في سبيل معالجة أزمة الإسكان المتفاقمة. تعديلات على نظام المشاركة بالوقت في الوحدات العقارية السياحية وافق مجلس الشورى بعد مناقشته تقرير لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار، في شأن التعديلات المقترحة على نظام المشاركة بالوقت في الوحدات العقارية السياحية، على تعديل النظام. وشملت التعديلات توضيح بعض المصطلحات، وإضافة ما نقص منها، وتوضيح طبيعة العقود التي تحكم العلاقة بين المتعاقدين، وإيضاح التعديلات على الجوانب القانونية المنظمة لتلك العلاقة بينهما على مستوى بدء النشاط والمتابعة والرقابة والتفتيش وتقنين آلية ضبط المخالفات وتقدير العقوبات. كما أجرت اللجنة تعديلاً على اسم الهيئة ليصبح «الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني»، وتعديل اسم الأمين العام للهيئة ليصبح رئيس الهيئة. وطالب عدد من الأعضاء في مداخلاتهم بإعادة النظر في تلك التعديلات لتحفظ حقوق كل من البائع والمشتري، ووافق المجلس على منح اللجنة مزيداً من الوقت لدرس ما طرحه الأعضاء والعودة بوجهة نظرها إلى المجلس في جلسة قادمة.