اطلقت موسكو وتل ابيب مرحلة جديدة من التعاون العسكري بتوقيع اتفاق هو الاول من نوعه في تاريخ العلاقات بين البلدين، في خطوة عكست مسعى روسيا «للافادة من الخبرة الاسرائيلية في برامج اصلاح الجيش الروسي». وتزامن التطور مع التأكيد على «تطابق المواقف حيال العديد من تحديات العصر». وشكلت الزيارة الأولى التي يقوم بها وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك الى موسكو نقلة نوعية في تاريخ التعاون العسكري الروسي مع الدولة العبرية، اذ وقع الطرفان امس اتفاقا يضع اساسا قانونيا لتعزيز التعاون في المجالات العسكرية بين الطرفين ويفتح امكانات جديدة في هذا المجال. ومعلوم ان موسكو وتل ابيب بدأتا منذ سنوات مسار التعاون العسكري الذي ظل محصوراً في مجالات محددة بينها استيراد تقنيات دقيقة اسرائيلية لاضافتها الى مقاتلات عسكرية تبيعها روسيا لاطراف ثالثة، او شراء آليات واسلحة اسرائيلية منها مسدسات سريعة الطلقات ومعدات لمواجهة الارهاب، لكن الاتفاق الجديد يوفر فرصة لفتح آفاق التصنيع المشترك والتعاون لفتح اسواق جديدة عبر بيع نماذج عسكرية مصنعة بخبرات روسية واسرائيلية الى اطراف ثالثة. ووقع الاتفاق باراك ونظيره الروسي أناتولي سيرديوكوف الذي اكد في ختام جلسة مباحثات ثنائية ان بلاده «وقعت اتفاق تعاون عسكري طويل الأمد» و»من المهم جداً بالنسبة الينا في مرحلة إصلاح قواتنا المسلحة أن نستفيد من خبرات الجيش الإسرائيلي». فيما اعرب باراك عن سعادته ل «الانجاز» الذي تم تحقيقه «في اول لقاء لنا مع ممثلي وزارة الدفاع الروسية». وزاد الوزير الاسرائيلي ان الطرفين «توصلا إلى تفاهم متبادل والى تعزيز التعاون بشكل فعال»، موضحا أن إسرائيل على استعداد لتبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب مع العسكريين الروس لضمان الأمن، بما في ذلك عن طريق استخدام طائرات اسرائيلية من دون طيار. وأضاف: «لا ترى إسرائيل في روسيا شريكا مهما فحسب، بل أيضا قوة عظمى تلعب دورا كبيرا في الشرق الأوسط». وبحسب معطيات مصادر عسكرية فإن الاتفاق الجديد يوفر ارضية واسعة لتبادل المعلومات والخبرات وتعزيز التعاون في مجال الانتاج العسكري المشترك، لكن خبيرا روسيا مطلعاً على ملف العلاقة مع اسرائيل لم يستبعد ان يفتح الاتفاق مجالات أخرى للتنسيق بينها تقديم ضمانات روسية الى تل ابيب بشأن عدم وصول اسلحة روسية الصنع الى جهات تعادي اسرائيل. وبدا الطرفان متعجلّين امس لاعلان أول خطوة عملية لتطبيق الاتفاق، اذ سارع سيرديوكوف الى تأكيد توقيع عقد لشراء 12 طائرة تجسس اسرائيلية الصنع من دون طيار، واشار الى وجود 50 عسكريا روسيا في اسرائيل حالياً لتلقي التدريبات اللازمة لتشغيلها. واعرب عن قناعته بأن «هذه الخطوة الأولى فقط، واعتقد أن لقاء اليوم والاتفاق الموقع بين وزارتي البلدين سيعطيان دفعاً مهماً للتعاون بين وزارتينا على المدى الطويل». اللافت ان سيرديوكوف اشار الى ابعاد سياسية واسعة النطاق لتعزيز العلاقات العسكرية، وتحدث عن «الطابع النشط للتعاون» بين وزارتي الدفاع في مختلف الاتجاهات. مضيفا: «مواقفنا حيال العديد من تحديات العصر متقاربة، بل حتى متطابقة، خصوصا ما يتعلق بقضايا الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل». وأوضح الوزير الروسي أن «الاتصالات بين الوزارات والدوائر المعنية في البلدين «تسهم في التصدي لهذه التهديدات». وفتح كلام سيرديوكوف على ملفات أخرى كانت مطروحة بقوة على جدول اعمال الزيارة، منها ملف البرنامج النووي الايراني، والعقود العسكرية الموقعة بين موسكوودمشق. وكانت تل ابيب اعلنت اخيرا معارضتها الشديدة لنيات روسيا تزويد دمشق انظمة صاروخية بحرية يبلغ مداها 300 كيلومتر. واعتبر باراك ان هذه الصواريخ تشكل خطراً على القوات الاسرائيلية وخصوصا مع احتمال وصولها الى «حزب الله» في لبنان. وكانت هذه المسألة واحدة من ابرز محاور البحث خلال لقاء اجراه باراك مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي على البحر الاسود. وافادت مصادر اسرائيلية ان الطرفين ناقشا خلال اللقاء التعاون الروسي - الايراني في مجال الطاقة الذرية، والوضع في المنطقة بالاضافة الى آفاق المفاوضات المباشرة التي انطلقت أخيرا في واشنطن. وفي ختام محادثات باراك مع بوتين اعلن الاخير ان روسيا وإسرائيل تدرسان إمكان تزويد الطائرات الاسرائيلية بتقنيات ليزر روسية وكذلك إقامة محطة ليزر روسية في اسرائيل لقياس المسافات من أجل رصد الأقمار الاصطناعية. واوضح بوتين إن التعاون الثنائي بين روسيا وإسرائيل في المجال العسكري التقني «يسير بشكل جيد»، مشيراً إلى وجود مشاريع واعدة في مجال النقل العسكري الجوي، كإطلاق عدد من الأقمار الاصطناعية لصالح إسرائيل، وشراء الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، وتنفيذ مشروع مشترك بطلب من الهند.