أرسل الجزائريون رسالةً إلى السلطان سليم الثاني، ولقد أشارت تلك الرسالة إلى قوة التعاون الجزائري العثماني الوثيق، وتلك الرسالةُ محفوظة تحت الرقم: 4656 في الأرشيف العثماني في قصر طوب قابي في إسطنبول، وقد كُتبت الرسالة في أوائل شهر ذي القعدة عام 925ه/ 1519م، وتمّت كتابتها بأمر من خير الدين بربروس. وقد جاء في الرسالة: أن خير الدين بربروس كان يرغب أن يذهب بنفسه الى استانبول ليعرض على السلطان سليم الأول شخصياً أبعاد قضية الجزائر. ولكنّ زُعماء مدينة الجزائر توسلوا إليه أن يبقى فيها لمواجهة القوات الأوروبية المعادية التي تحاول احتلال الجزائر وشمال إفريقيا لتفعل بها مثلما فعلت بالأندلس. ويُستفَادُ من الرسالة الجزائرية: أن الجزائريين طلبوا من خير الدين بربروس أن يُرسل سفارةً تنوبُ عنه، وتُمثّله كما تُمثل شعب الجزائر، وتعرضُ على مقام الخلافة الإسلامية العثمانية ما تتعرض له الجزائر وشمال إفريقيا من عدوان أوروبي. وكانت الرسالة التي حملتها البعثة الجزائرية موجهة باسم خير الدين بربروس والقضاة والخطباء والفقهاء والأئمة والتجار والأعيان وكافة سكان مدينة الجزائر العامرة، وتفيض الرسالة بالولاء العميق لدولة الخلافة الإسلاميةالعثمانية، وكان أميرُ تلك السفارة الجزائرية «الفقيه العالم الأستاذ أبو العباس أحمد بن القاضي الزواوي أمير إمارة كوكو» الذي عرض على مقام الخلافة أوضاع الجزائر وشمال إفريقيا، وأكد أن شارل الخامس شارلكان، يحاول أن يطبق في إفريقيا الخطة التي طبّقها فرديناندو وإيزابيلا في تدمير الوجود الإسلامي في الأندلس. وأكدت البعثة الجزائرية أن الأخطار التي تحيط بالجزائر من كل جانب مُرشَّحة للإمتداد إلى عموم إفريقيا، وبقية أقطار المسلمين. تأثّر السلطان سليم الأول بما سمعه من الجزائريين، وحزن على مسلمي الأندلس، وغضب على الغُزاة الأوربيين الطامعين ببلاد المسلمين، وقرّر بذل ما بوسعِهِ لإنقاذ إفريقيا من مصير شبيهٍ بمصير الأندلس الْمُحزن، وكان أوّل قرارات خطّة الإنقاذ العثماني للجزائر مَنْح خير الدين بربروس رُتبة «بيلربك» وتعيينه قائداً عاماًّ للمجاهدين في اقليمالجزائر، واعتباره مُمَثِّلاً لخليفة المسلمين السلطان العثماني سليم الأول، وأعلن وحدة المصير الجزائري العثماني، واعتبر الجزائر جزءاً من أجزاء الدولة العليّة العثمانية. وأعلن السلطان سليم الأول: أنّ أيّ اعتداء خارجي على أراضي الجزائر هو اعتداء على دولة الخلافة الإسلامية العثمانية. ومنذ ذلك الوقت في عام 1519م، دُعي للخليفة سليم الأول على منابر المساجد الجزائرية، وذُكر اسمَهُ الخُطباء المسلمون، وضُربت العُملة الجزائرية باسمه أيضاً. ولم يكتفِ سليم الأول بإصدار القرارات «مع الاحتفاظ بحق الردّ في الوقت المناسب» بل دَعَمَ قراراته النظرية بقرارات عملية تنفيذية فورية، فأرسل الى الجزائر أسطولاً بحريا عثمانياً ومعه عتاداً من سلاح المدفعية البحرية والبرية الثقيلة، وأرسل مع المدفعية ألفين من جنود الانكشارية، فبدأ ظهورُ وتأثيرُ الإنكشاريين في الحياة السياسية والعسكرية في شمال إفريقيا منذ ذلك الوقت فيعام (1519م). وهكذا صار إقليمالجزائر أول أقليم عثماني في شمال أفريقيا، فصارت الجزائرُ ركيزةً لحركة جهادِ دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في عرض البحر الأبيض المتوسط، وحرصت الخلافة العثمانية على تحرير كل أقاليم الشمال الأفريقي لتوحيده. وفرضت الظروف على خير الدين بربروس أن يحارب على الجبهة الإسبانية لطرد الاسبان من الجيوب التي أقاموها على سواحل بلاد المسلمين، وعلى صعيد الجبهة الإسلامية الداخلية حاول توحيد كلمة المسلمين، ورصّ صفوفهم للدفاع عن البلاد وإفشال مطامع الأعداء، وحينذاك توفى سليم الأول عام 926 ه/ 1521م، فبُويعَ بالخلافة ولده السلطان سليمان القانوني الذي أولى المقاومة الجزائرية اهتماماً خاصاًّ، فضاعف أعداد القوات العثمانية المشاركة في حماية الجزائر، وطوّر الأسطول البحري العثماني في البحر الأبيض الأبيض المتوسط، وأثمر الدّعم العثماني، فانتصر خير الدين بربروس على أعدائه، وحرّر عنابة وقالة في الشرق الجزائري، وحقق انتصاراً على الإسبان عام 935 ه/ 1529م حينما استولى على حصن بينون الإسباني القائم على الجزيرة المواجهة لبلدة الجزائر، وقد حقّق ذلك الانتصار بعد وصول المدفعية العثمانية الثقيلة التي استخدمت في قصف ذلك الحصن مُدة عشرين يوماً. وحاول خير الدين بربروس توحيد المغرب الأوسط، للقضاء على خيانات ومؤامرات بني زيان والحفصيين، وبعض القبائل الصغيرة التي مالأت العدوان الإسباني، فاستطاع مَدَّ منطقة نفوذه باسم الدولة العثمانية إلى الداخل الجزائري، ودخلت الامارات الصغيرة تحت السيادة العثمانية لكي تحتمي بهذه القوة من الأطماع الإسبانية، وتتوجت انتصارات خير الدين بتحرير بعض المدن الجزائرية الداخلية مثل قسنطينة، وبذلك أمّن خير الدين تماسُك الجبهة الجزائرية الداخلية، فأصبح له عُمقٌ إستراتيجي داخلي يُعزّز صموده على السواحل الجزائرية. واستطاع خير الدين بربروس أن يوجه ضرباته القوية إلى السواحل الاسبانية، وأسفرت هجماته عن انقاذ عشرات آلاف المسلمين الذين فرّوا من داخل إسبانيا، ولجأوا إلى كهوف السواحل. تضررت إسبانيا من نجاح خير الدين بربروس في الشمال الإفريقي، واصطدمت مخططاتها العدوانية بجبهة جزائرية عثمانية صلبة متماسكة، وكانت إسبانيا تحت حُكم شارل الخامس «شارلكان» إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي ضمّت وقتذاك إسبانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والنمسا وإيطاليا، وجاء تحرير الجزائر وفتح جبهتها بمثابة ضربة موجعة، وأصبح الصراع بين شارل الخامس وبين بيلربكية الجزائر بمثابة فتح جبهة حربية عثمانية جديدة في الشمال الإفريقي، واستمرّ الصراع مُدّة طويلة، وصارت الكوابيسُ تعتري الإمبراطور شارلكان إذ يرى في مناماته الخليفة سليمان القانوني وخير الدين بربروس بيلر بيك الجزائر يطاردانه من ميناء إلى ميناء ومن قلعة إلى قلعة.