لم يكن لدى بعض الموظفين حلٌ آخر لإراحة ضمائرهم والنوم على فرشهم قريري الأعين سوى التخلص من تلك الكوابيس التي تلاحقهم وتقذف بهم في قعر جهنم، نظير اختلاسهم أموالاً من مؤسسات حكومية يعملون فيها، أو تقصيرهم في أداء الأعمال التي يتقاضون رواتب لإتقانها، إلا بالمسارعة في إيداع مبالغ تعويضية في حساب إبراء الذمة لدى مصرف الراجحي الذي أقره المقام السامي قبل أربع سنوات، ليطووا بذلك صفحة آثامهم. وذكر(ع.م) أن روحانية شهر رمضان دفعته للتوبة وتطهير أمواله بإرجاع ما اختلسه إلى خزانة الدولة، وقال: «على رغم أن راتبي الشهري يتجاوز السبعة آلاف وحالتي المادية معتدلة، إلا أن الطمع والجشع ورغبتي في العيش أعلى من مستوى حياتي الاقتصادية وشغفي بالثراء الباكر بامتلاك فيلا وسيارة آخر موديل والسفر في أرجاء العالم أسوة بمن حولي من كبار المديرين ورجال الأعمال دفعتني إلى ارتكاب هذا الجرم». وأشار أبو فهد الذي يعمل في البلدية إلى أن إيداعه مبلغ 15 ألف ريال في حساب إبراء الذمة غرة رمضان الماضي كان نتيجة قبوله رشوة من أحد معارفه مقابل أن يختار له إحدى أراضي المنح الحكومية التي تتميز بموقع استراتيجي، وقال: «إن تبسيطي للأمر وتحوير مسمى الرشوة في نظري بأنها لم تعدُ عن كونها نوعاً من المساعدة وتقليدي لنماذج أخرى تسلك نفس طريقي، دفعني لتكرارها فترة من الزمن وتمييزي معارفي عن مواطنين آخرين، لأقتنص فضيلة شهر رمضان بالتوبة وأتطوع في كثير من الأعمال الخيرية لأخفف من تأنيب ضميري». ولفتت مروة «موظفة حاسب» إلى أنها سلبت حقوقاً عامة ليست أهلاً لها، وقالت: «إن تعرضي لظروف متباينة أثناء فترات العمل، دفعني إلى شراء تقارير طبية من أحد المستوصفات الأهلية تثبت مرضي في تلك الأيام على رغم عدم زيارتي للطبيب أصلاً، وإحساسي بالخطأ ورغبتي في التخلص من قصوري، اضطرني إلى حساب عدد الأيام التي تغيبت عنها وجمع حصيلة مجملها وإيداعه في حساب إبراء الذمة». وقال أحد المستفيدين من المال المودع في خزانة الدولة تحت مسمى «حساب إبراء الذمة»: «إن هذا الحساب أسهم في إكمال نصف ديني بعد تسلمي قرض الزواج من بنك التسليف والادخار والارتباط بعد استيفاء متطلبات الزواج كافة». من جهتها، أوضحت الاختصاصية النفسية مها العتيبي، أن محاسبة النفس ولومها عند ارتكاب أي من الأخطاء وسعيها الدائم للتخلص من هذا الشعور عن طريق عزمها على الإقلاع عنه وإصرارها على تصحيح ما ارتكبته خطوة إيجابية كفيلة بخلق نفسية سوية متوازنة، بل إن ذلك سيسهم في تمثيل مجتمع يتمتع كثير من شرائحه بأفراد أسوياء تغلب فيها مبادئهم وقيمهم على أهوائهم. وعن العوامل والأسباب التي تدفع إلى التعدي على حقوق الآخرين، قالت الاختصاصية الاجتماعية ليلى الغامدي: «إن ضعف الوازع الديني وتهاون البعض في سلب حق غيره وغياب القدوة الحسنة وتقصير الأسرة في التربية والتنشئة وانخفاض دخل المواطن والسعي نحو مكاسب عاجلة، إضافة إلى استغلال المنصب والنفوذ في تحقيق المصالح الشخصية وتقديمها على المصلحة العامة، كلها عوامل أساسية تدفع الشخص إلى التطاول على حقوق غيره». وفيما يخص حكم إيداع مبلغ من المال من موظف قصّر في عمله في حساب إبراء الذمة، قال الشيخ سليمان الماجد في موقعه الإلكتروني: «إذا كان هناك تقصير في العمل ويريد الشخص إبراء ذمته، وأراد أن يودع في ذلك الحساب بهذه النية، فله ذلك والله أعلم». يذكر أن حساب إبراء الذمة لدى مصرف الراجحي أقره المقام السامي قبل خمس سنوات بهدف إيداع أي مبالغ مسلوبة من الدولة بغير وجه حق أياً كانت نقدية أو عينية إبراء للذمة، ليستعملها بنك التسليف والادخار في مساعدة ذوي الدخول المنخفضة كتقديم قروض للزواج ومساعدة الأسر الفقيرة، وأنه بحسب آخر إحصاء أجراه البنك بلغ مجموع الإيداعات منذ افتتاح الحساب أكثر من 177 مليون ريال.