«تراه إذا ما جئته متهللاً، كأنك تعطيه الذي أنت سائله». لو بعث المتنبي من قبره، اليوم، واضطر إلى مراجعة أحد القطاعات الحكومية والخدمية، أو حتى الخاصة التي تقوم أسس نجاحها في كل دول العالم على خدمة العميل وراحته!، لتغير التاريخ، وغير المتنبي بيت شعره الشهير ذاك إلى «تراه إذا ما جئته متجهماً، كأنه يعطيك من جيبه الذي أنت سائله»!. وفي بادرة تحسب لصندوق تنمية الموارد البشرية والفنان السعودي يوسف الجراح، انتهت أمس في أحد مراكز مدينة جدة التجارية الضخمة حملة فريدة من نوعها تحمل شعار «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، واستمرت لمدة أربعة أيام، بهدف نشر البسمة بين أفراد المجتمع، من موظفين ومراجعين، خصوصاً في شهر رمضان الكريم. ربما أدرك الصندوق والفنان خطورة عودة المتنبي على التاريخ الإسلامي، غير أنه من حسن حظ الأخير أن هذه العودة والمعاملة لم تُقدر عليه، ولكن حظ مروان الغامدي ليس بذاك الحسن، فقد كتب عليه القدر مطلع هذا العام فقدان حافظة نقوده بما فيها من أوراق وبطاقات رسمية، ما دفعه إلى إجراء جولة على بعض الجهات الحكومية والخاصة، أملاً في استخراج بدائل لما فقده من مستندات. يقول: «كانت تلك الجولة أسوأ من الكعب الدائر، ذلك الإجراء الأمني الذي كنا نشاهده في الأفلام المصرية القديمة وتتخذه السلطات الأمنية في حق بعض المجرمين العتاة، ويتم خلاله تدوير المتهم على كل أقسام الشرط في البلاد». لماذا كانت مراجعة جهة حكومية أسوأ بالنسبة لمروان من «الكعب الدائر»؟، يجيب: «لأنها تجعلك تشعر بأنك أسوأ من المجرم، بأنك متسول يطلب صدقة أو حتى ابتسامة، لاحق لك ولا كرامة. وإذا تبسمت في وجه الموظف، رفع وجهه إليك بازدراء كأنك تتسول منه الخدمة». كثير ممن تحدثت إليهم «الحياة» اتفقوا بطريقة غريبة على أن مراجعة جهة حكومية أو خاصة، عذاب لا يطاق، يبدأ بالوجوه المكفهرة ولا ينتهي بالمماطلة والجلافة في الأسلوب ومحاولة التعقيد وتضخيم الأمور البسيطة والبدهية، والتعامل كأن الموظف يعطي منحاً من جيبه للمراجعين ويمن عليهم أداء عمله. أما الأسباب التي يعتقدون أنها تسببت في ذلك فكانت متنوعة، منها ما يعود إلى ثقافة الموظف نفسه وطريقة الإدارة الحكومية البيروقراطية، إضافة إلى الجهل العام بالأنظمة والحقوق من الجانبين (الموظف والمراجع)، إلى جانب غياب الشفافية والمحاسبة في العمل الحكومي.