لم يمنع رفض الكولومبيين في استفتاء عام، اتفاق سلام تاريخياً أبرمته الحكومة ومتمردو «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» (فارك)، لجنة نوبل من منح الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس جائزتها للسلام، تقديراً لجهوده من أجل طيّ نزاع دام 52 سنة، ويُعتبر الأطول في أميركا اللاتينية. وكان لافتاً أن اللجنة كسرت تقليداً بتكريم الطرفين المنخرطين في عملية سلام، إذ لم تمنح الجائزة مناصفة إلى سانتوس وزعيم «فارك» رودريغو لوندونو المعروف ب «تيموشنكو»، كما فعلت مثلاً لدى منحها الجائزة لطرفَي اتفاقَي السلام الفلسطيني– الإسرائيلي عام 1994، والإرلندي الشمالي عام 1998. واعتبرت اللجنة أن قرارها لا يشكّل «استخفافاً» ب «تيموشنكو» الذي تجنّب أي سجال في هذا الصدد، مشدداً على أن «الجائزة الوحيدة» التي يطمح إليها هي «السلام مع العدالة الاجتماعية». وبعد مفاوضات دامت 4 سنوات في كوبا، وإن بدأت في النروج عام 2012، وقّع سانتوس و «تيموشنكو» اتفاق السلام في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي، لطيّ نزاع أوقع 260 ألف قتيل و45 ألف مفقود و6.9 مليون نازح. لكن الناخبين الكولومبيين رفضوا الاتفاق بفارق يقلّ عن نصف نقطة مئوية، في استفتاء نُظم الأخذ الماضي، معتبرين أن الاتفاق متساهل مع المتمردين الذين ارتكبوا جرائم كثيرة. وبعد ساعات على منح سانتوس الجائزة، كرّرت الحكومة الكولومبية و «فارك» تعهدهما «مواصلة العمل بوقف النار، الثنائي والنهائي، الذي أُعلن في 29 آب (أغسطس) الماضي». واتفق الجانبان على إعداد «بروتوكول» هدفه «تجنّب أي حادث» على الأرض، وأشارا إلى أنهما سيتشاوران مع «مختلف قطاعات المجتمع»، في إطار «عملية سريعة وفاعلة» ل «تحديد مخرج سريعاً» بعد رفض الاتفاق. واعتبرت لجنة نوبل أن «الاستفتاء ليس تصويتاً مع السلام أو ضده»، مضيفة: «ما رفضه (أنصار) لا، ليس الرغبة في السلام، بل اتفاق سلام محدد». وقالت رئيسة اللجنة كاتشي كولمان فايف، إن الجائزة «تكرّم جهوداً حثيثة» بذلها سانتوس ل «إنهاء أكثر من 50 سنة من الحرب الأهلية في بلاده»، كما اعتبرتها «تحية للشعب الكولومبي». وشددت على أن رفض الاتفاق «لا يعني بالضرورة أن معاهدة السلام انتهت»، منبّهةً إلى «خطر حقيقي في أن تبلغ عملية السلام طريقاً مسدوداً، وأن تستعر الحرب الأهلية مجدداً. وهذا يعزّز أهمية مواصلة الرئيس سانتوس وزعيم فارك رودريغو لوندونو احترام وقف النار». وبرّرت كولمان فايف استبعاد «تيموشنكو» بأن «الرئيس سانتوس اتخذ المبادرة الأولى والتاريخية»، وزادت: «كانت هناك محاولات أخرى، لكن هذه المرة طرق (سانتوس) كل السبل، بوصفه زعيماً للحكومة، بإرادة قوية لتحقيق نتائج». وأضافت: «منح الجائزة لسانتوس ليس استخفافاً بأيّ طرف آخر. فارك جزء مهم جداً من هذه العملية، ونلاحظ أنها قدّمت تنازلات مهمة». وأعلن سانتوس أن نجله مارتن أيقظه الساعة الرابعة فجراً بتوقيت كولومبيا، ليبلغه منحه جائزة نوبل للسلام، علماً أنها المرة الأولى التي تذهب الجائزة إلى أميركي لاتيني، منذ منحها لناشطة حقوق الإنسان في غواتيمالا ريغوبرتا منتشو عام 1992. وسانتوس هو ثاني كولومبي يحصل على جائزة نوبل، بعد فوز مواطنه غابرييل غارسيا ماركيز بجائزة الآداب عام 1982. واعتبر سانتوس أنه نال الجائزة «باسم جميع الكولومبيين، خصوصاً ملايين الضحايا الذين سقطوا في النزاع»، مضيفاً: «علينا أن نتصالح وأن نتّحد، لإنهاء هذه العملية وبدء بناء سلام مستقر ودائم». واعتبر الجائزة «تفويضاً لمواصلة العمل بلا هوادة، من أجل سلام جميع الكولومبيين»، متعهداً أن «يكرّس لهذه الغاية» كل جهوده لبقية حياته. وتابع: «تجب المثابرة. سنمضي حتى النهاية، ونحن قريبون جداً من التوصل إلى السلام». وهنّأ «تيموشنكو» سانتوس بنيله الجائزة، مذكراً بجهود الدول الراعية عملية السلام، وهي كوبا والنروج وفنزويلا وتشيلي. وكتب على موقع «تويتر»: «الجائزة الوحيدة التي نطمح إليها، هي جائزة السلام مع العدالة الاجتماعية لكولومبيا، من دون قوات شبه عسكرية (يمينية) وبلا انتقام ولا أكاذيب». أما الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي الذي قاد حملة لرفض الاتفاق، فهنأ سانتوس مستدركاً: «آمل في أن تؤدي (الجائزة) إلى تغيير في الاتفاقات المؤذية لديموقراطيتنا». وستُسلّم الجائزة، وقيمتها 8 ملايين كرون سويدي (930 ألف دولار)، في أوسلو في 10 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، في ذكرى وفاة مؤسّسها العالم السويدي ألفرد نوبل.