عني بعض الأدباء بتتبع تصحيفات الكتب وأخطاء الصحف، وجمع في هذا سفراً لطيفاً طبعه ونشره ولم يدر في خلده أن كتابه الذي أفنى وقته في جمعه وصفه يضم تصحيفاتٍ لا يخطئها بصر المطلع! ولا عجب في هذا أو غرابة، لأن الكمال لله جل وعلا. والتصحيف هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط، وصنفت فيه العشرات من الكتب والأجزاء في تصحيفات المحدثين والأدباء والكتاب والفقهاء. أورد ابن الجوزي في كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين» قصة عن عمر بن عوف كان له وراق يلحن، فأخره وتقدم إلى وراق أديب أن يقرأ عليه، فقرأ: حدثكم هسيم، فقال ردونا إلى الأول فإنه يلحن وهذا يمسخ! وكثيراً ما يدخل التصحيف في الكلام، فيقلب المعنى ويوهم بغير المراد. سأل والد ولداً له ألحقه بحلقةٍ لتعليم القرآن في المسجد، فسأله في أي سورةٍ أنت: قال في سورة لا أقسم بهذا البلد، ووالدي بلا ولد! فقال: نعم من كنت ابنه فهو بلا ولد! ومما يذكر في هذا البلد ما قام به محب للغة وتصاريفها حينما سئُل عن معنى طريق، فقال: سبيل، ثم سئل عن معنى سلسبيل فقال: طرطريق! دخل أعرابي المدينة فجالس أصحاب الفقه ثم تركهم، ثم جالس أصحاب النحو فسمعهم يقولون: نكرة ومعرفة. فقال: يا أعداء الله، يا زنادقة! وقرأ أحدهم على مفسرٍ (ويعوق وبشراً) فقيل له: ونسراً، فقال هي منقوطة بثلاثةٍ من فوق، فقيل له: النقط غلط! قال: فارجع إلى الأصل فإن بها من النقط عدد شعر رأسك! وقرأ عثمان بن أبي شيبة (فضرب بينهم بسنور له ناب)! فقيل له إنما هو (بسورٍ له باب) فقال: لا أقرأ بقراءة حمزة، قراءة حمزةٍ بدعة عندنا!