يتهيأ الفرقاء اللبنانيون في الأسبوع الأخير من هذا الشهر للتركيز على الاستحقاق الرئاسي بعد أن ينتهي البرلمان من جلساته التشريعية التي بدأها الشهر الماضي لتعويض ما فاته نتيجة أكثر من سنة من التعطيل نتيجة الأزمة السياسية التي شكل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام اختراقاً محدوداً لها على أمل بأن يكون انتخاب الرئيس الجديد وسيلة لنشوء إدارة جديدة لإدارتها بأقل الأضرار الممكنة. ومثلما يختبر تصدي البرلمان والحكومة للملفات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية التي تفجرت على نحو غير مسبوق، الأسبوع الماضي، قدرة الطبقة السياسية على معالجتها بأقل الأضرار، فإن الإقبال على الاستحقاق الرئاسي يشكل بدوره اختباراً لمدى قدرة هذه الطبقة على الحد من تأثير الربط المستمر للأزمة السورية والانقسام الإقليمي في وضع المؤسسات الدستورية وقدرتها على الاستمرار على رغم تأثيرات الخارج في انتخاب الرئيس الجديد. والأسئلة المطروحة كثيرة هنا. فهل أن انتخاب الرئيس مرهون بانتخابات الرئاسة في سورية في حزيران (يونيو) المقبل، أم رهينة التقدم في محادثات الدول الكبرى مع طهران حول ملفها النووي، أم مرتبط بإمكان حصول تقاطع مصالح إيرانية - سعودية، تحت سقف الخلاف، على حفظ الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان؟ وإذا كان الإصرار على تشكيل حكومة جامعة تضم كل الأطراف (بدل فكرة تأليف حكومة حيادية) كان بحجة أن حكومة الوحدة الوطنية تسهل إنجاز الاستحقاق الرئاسي وإبعاد الفراغ في الرئاسة الأولى، فإن الأيام الفاصلة مع موعد نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان ستكشف ما إذا كانت هذه الحجة صحيحة أم أن تشكيل الحكومة التي يتمثل فيها الجميع هي وسيلة لاستسهال حصول الفراغ الرئاسي لأن وجودها يطمئن الفرقاء المعنيين بأنهم شركاء في تسلم سلطات الرئاسة وفي القرار الحكومي والرئاسي معاً. فالمواقف المعلنة في الأيام الماضية لا سيما من أطراف في قوى 8 آذار، توحي بهذا الاطمئنان. فرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية توقع حصول الفراغ. والأمين العام ل «حزب الله» قال إن المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس ليست ضاغطة على فريقه. وما يزيد المخاوف أن الغموض يحيط بمواقف الفريقين الرئيسيين من المرشحين للرئاسة، بحيث يوحي ذلك بأن كلاً منهما ينتظر الآخر في سياق المناورة والاحتفاظ بالأوراق أو أن كليهما ينتظر اتضاح المواقف الخارجية ليبني على الشيء مقتضاه. فالعواصم الكبرى المهتمة بلبنان تتابع عن كثب حراك المرشحين كافة وتسأل عنهم وتستفسر عن حظوظ كل منهم وتهتم لمعرفة أي منهم يمكن أن يحظى بالتوافق. وإذا كان ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية «سمير جعجع يدفع بقوى 14 آذار إلى توضيح توجهاته وخياراته فإن المشاورات بين أركان هذا الفريق لم تسفر إلى الآن عن توضيح الصورة على رغم تصريحات قادته المتواصلة عن أنها ستتفق على مرشح من صفوفها. وإذ اتجهت الأنظار في اليومين الماضيين إلى المشاورات التي أجراها رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري بحضور عدد من قادته حول الموقف داخل 14 آذار من ترشّح جعجع وسائر المرشحين فإن المصادر المعنية بهذه المشاورات لم تفض بمعطيات إضافية عما سبقها من توجهات لدى قيادة «المستقبل» التي وضعت جملة مبادئ يمكن تلخيصها بالآتي: - إن أوساط التيار تذكّر بأن الحريري سبق أن قال إنه سيكون مرشح من 14 آذار تتفق عليه قياداتها، وتشدد على أن الرئيس المقبل يجب أن يكون معبراً عن «الإرادة الوطنية» للمسيحيين، كما قال في خطابه في ذكرى 14 شباط (فبراير) الماضي. - إن ترشح جعجع قوبل بترحيب وتأييد من الحريري وقادة التيار، لكنْ في الوقت نفسه هناك مرشحون آخرون من 14 آذار هم رئيس حزب الكتائب الرئيس السابق أمين الجميل، الوزير بطرس حرب، والنائب روبير غانم. والاتفاق على أحدهم يتطلب توافقاً بين المرشحين الأربعة أنفسهم بداية، لأن أسوأ ما يمكن أن يحصل للتحالف أن تشهد جلسة انتخاب الرئيس أكثر من مرشح ل 14 آذار من دون أن يتمكن أي منهم من الوصول إلى المنصب. وهذا سيكون فشلاً ذريعاً لها قد يؤدي إلى تفجيرها من داخلها. - إن التركيز على مطالبة الحريري بأن يرجّح هو أحد الخيارات المطروحة بين مرشحي التحالف هو أسوأ الاحتمالات إذ إنه سيظهر عندها بمظهر الزعيم السني الذي يغلّب مرشحاً على آخر بما يتناقض بهذا القدر أو ذاك، مع اعتماده مقياس «أن يعبّر الرئيس عن الإرادة الوطنية للمسيحيين». وبالتالي لا مصلحة للحريري في أن يتخذ موقفاً يضعف قدرته على لعب دور في توحيد قوى 14 آذار إذا كان بعضهم فيها سيصنفه منحازاً لهذا أو ذاك من مرشحيها. - إذا تعذر حصول مرشح 8 آذار أو 14 آذار على الأكثرية المطلوبة للفوز باستقطاب الأصوات الوسطية، فإن البلد سيكون أمام أمر واقع يفرض الخيار بين أن يحصل الفراغ أو التوصل إلى رئيس تسوية من غير الفريقين الأساسيين. وفي هذه الحال فإن «المستقبل» أمام محذور ترجيح اختياره من بين المرشحين التوافقيين المطروحين، لأنه مثلما هو محذور المفاضلة بين مرشحي 14 آذار، سيبدو خياراً سنيّاً أيضاً يستجلب حملة عليه. - أن الرئيس التسوية بين التوافقيين سيكون أمام نقطة ضعف أخرى يسعى «المستقبل» إلى تجنبها، هي أن يبدو الأمر كأنه رئيس جاء نتيجة توافق سني - شيعي وهذا مقتل قد يثير مسيحيين من الفريقين، يتناقض أيضاً مع المبدأ الذي التزمه الحريري بأن يعبر الرئيس عن الإرادة الوطنية للمسيحيين. وترى مصادر قيادية في «المستقبل» أن هذه العوامل وغيرها تفترض أن تدفع القيادات المسيحية في 14 آذار إلى لعب دور أساسي في اختيار المرشح الذي يفترض أن تتبناه بدءاً من اختياره من صفوفها، وصولاً إلى تأييد مرشح توافقي إذا فرضت ظروف المعركة ذلك.