فتح ترشيح حزب «القوات اللبنانية» رئيسه سمير جعجع لرئاسة الجمهورية، البحث بالآلية التي ستعتمد لانتخاب الرئيس الجديد، وإمكان حصولها قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار (مايو) المقبل أو بعدها، في حال تعذر التوافق على انتخاب الرئيس الجديد، وبالتالي إذا حصل الفراغ الذي سيطلق ضغوطاً على الطبقة السياسية اللبنانية، سواء من الداخل أم من الدول المعنية «باستمرارية المؤسسات» من أجل تأمين نصاب الثلثين وانتخاب رئيس من غير أسماء الأقطاب الذين يستحيل التوافق على أي منهم. فالآلية السياسية للانتخاب مرتبطة بالتوافق السياسي ومدى حظوظه وسط سيناريوات عدة مطروحة في ظل عجز أي من الفريقين الرئيسيين في لبنان، 14 و8 آذار، عن تأمين نصاب الثلثين، وعدم حصول أي منهما حتى على أكثرية النصف زائد واحداً، من دون التحالف مع الوسطيين، أي كتلة «جبهة النضال الوطني» النيابية برئاسة وليد جنبلاط (8 نواب) ونواب طرابلس الثلاثة الرئيس نجيب ميقاتي والنائبين أحمد كرامي ومحمد الصفدي. فالسيناريوات المطروحة بالنسبة إلى آلية اختيار الرئيس اللبناني المقبل، تبدأ بأن يدعو رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسة انتخاب يغيب عنها نواب أحد الفريقين الرئيسيين 8 أو 14 آذار فلا يتأمن نصاب الثلثين، مرة أو اثنتين، ليكتشف الجميع صعوبة مرور أي من المرشحين الأربعة الأقطاب، جعجع ورئيس حزب «الكتائب» الرئيس السابق أمين الجميل، وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وأن لا حظوظ لأي منهم، وبالتالي هناك ضرورة للاتفاق على مرشح توافقي من غير الأقطاب. أما السيناريو الثاني، فهو أن يتأمن نصاب الثلثين نتيجة دعوة بري، والضغوط المسيحية والفاتيكانية والخارجية من أجل نزول النواب إلى الجلسة، ليفشل جعجع ومن يترشح من الأقطاب الثلاثة الآخرين في الحصول على الثلثين في الدورة الأولى وحتى على أكثرية النصف زائد واحداً في الدورة الثانية، ليكتشف الأقطاب أيضاً أن لا حظ لأي منهم، فتنفض الجلسة في انتظار الاتفاق على مرشح توافقي من الصف الثاني. أما الثالث، فهو السيناريو الذي يفترض انسحاب بعض الكتل بعد الدورة الأولى بحيث يسقط نصاب الثلثين فلا تحصل الدورة الثانية بأكثرية النصف زائد واحداً. ويقول غير مصدر سياسي إن هناك حاجة للسيناريو الثاني، من أجل أن يقتنع الأقطاب الأربعة أن لا حظ لأي منهم، من أجل التفتيش عن الشخصية الوسطية والإقلاع عن وضع شرط «الرئيس القوي»، بعدما يلمس الأقوياء لمْسَ اليد استحالة وصول أي منهم، فيبدأ عندها البحث الجدي باسم الرئيس العتيد. الحزب يرفض المغامرة ويرجح عارفون السيناريو الأول، ألاّ تنعقد الجلسة أصلاً بعد دعوة بري إليها، نظراً إلى أن الأطراف الفاعلة، لا سيما «حزب الله»، ليست في وارد المغامرة بالنزول إلى البرلمان في ظل عدم الوضوح وفي ظل ما يشاع عن توافق بين تيار «المستقبل» ورئيسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وبين عون على دعم ترشح الأخير للرئاسة الأولى في إطار صفقة برعاية أميركية - سعودية. وعلى رغم نفي «المستقبل» ذلك مراراً، ونفي مصادر أميركية وغربية وجود مثل هذه الصفقة، فإن هؤلاء العارفين يؤكدون أن الحزب، مع إدراكه ذلك، فإنه يفضل وحلفاؤه ألاّ يخاطر بحصول عملية اقتراع في الدورة الثانية قد تؤدي الى نجاح عون، نتيجة انحياز «المستقبل» إليه، أو انحياز جنبلاط إلى غيره ممن تكون المعادلة الدولية - الإقليمية نجحت في تأمين التوافق عليه. ولذلك، فإن الحزب يجنح نحو استبعاد أكثرية الثلثين إذا لم يكن هناك اتفاق بينه وبين سائر الفرقاء، ما يعني ترجيح السيناريو الأول، أي عدم انعقاد الجلسة النيابية، في انتظار التفاهم معه، مع ما يعنيه تأخر حصول هذا الاتفاق من الوقوع في الفراغ، لا سيما إذا كان إتمام الانتخاب الرئاسي في لبنان سيكون مرهوناً بالوضع الإقليمي، وتحديداً بمرحلة الانتخابات الرئاسية في سورية التي ينوي النظام السوري الدعوة إليها لينجح فيها بشار الأسد صورياً، ثم يبدأ بعدها التفتيش عن اسم الرئيس اللبناني العتيد من ضمن مسار للتعاطي مع الساحة اللبنانية باعتبارها امتداداً لما يجري في سورية، في نظر حلفاء النظام في سورية، خصوصاً إيران. تكريس معادلة وفي اعتقاد أوساط قريبة من «القوات اللبنانية» أن جعجع بترشحه لا يستبعد أياً من السيناريوات الثلاثة، ومنها السيناريو الأول، أي عدم تأمين 8 آذار نصاب الثلثين وبالتالي عدم انعقاد الجلسة. وهي تعتبر أنه «رابح من أي من السيناريوات الثلاثة بترشحه، لأن تعطيل نصاب الثلثين سيكون صفعة لخصومه المسيحيين، سواء ترشح عون أو فرنجية وإذا لم يترشح أي منهما أيضاً. في الحالة الأولى يكون ظهر أمام الرأي العام المسيحي على أنه المستهدف على رغم أنه انسجم مع دعوة البطريركية المارونية إلى عقد جلسة الانتخاب في أسرع وقت ومع دعوتها إلى ترشح الأقوياء. وفي الحالة الثانية، أي عقد الجلسة من دون أن ينجح هو أو عون، يكون رابحاً، وهذا ليس في مصلحة الأخير. ومع أن جعجع (ومعه قادة القوات) يقول إن ترشحه ليس لقطع الطريق على ترشح عون، فإن أوساطاً في 14 آذار وفي 8 آذار ترى أن السيناريوات المطروحة تؤدي عملياً إلى تكريس المعادلة القائلة إن ترشح جعجع هدفه إلغاء ترشح عون أو «القوطبة» عليه. إلا أن مصادر «القوات» ترى أنه على رغم أن السيناريوات الثلاثة تنتج منها استحالة وصول جعجع، فإن مكسبه منها أنه يكون فرض نفسه الأقوى في 14 آذار، وأن حصول الفراغ الرئاسي يسمح له بدءاً من 26 أيار بأن يكون ناخباً قوياً يصعب تجاوزه في اختيار الرئيس العتيد من غير الأقطاب، لا سيما إذا كانت العواصم الدولية والإقليمية ستدخل على خط اختياره. وهذا سيحتمه ترشح جعجع. إلا أن هذه الحسابات لمفاعيل ترشح رئيس «القوات»، تفترض أن قوى 14 آذار ستجتمع على تأييده حصاناً لها في التمرين الذي يمكن أن يحصل على السيناريوات الثلاثة المذكورة وستتفق على دعمه، وهو أمر ينتظر اجتماع قادتها وتشاورهم مع الرئيس الحريري، فضلاً عن تشاورهم مع الوسطيين الذين يرجحون أكثرية النصف زائداً واحداً. وفي هذا المجال تعتبر مصادر مطلعة على خطوة جعجع أن من بين استهدافاتها، إضافة إلى المذكور أعلاه، رفع التحدي في وجه حلفائه بقدر خصومه، لأن رئيس «القوات» يعتبر أن ما أقدم عليه اختبار لمدى انسجام حلفائه في 14 آذار معه، والذي يتوقف عليه مدى استمرار التحالف في المرحلة المقبلة، بعد التباينات التي نجمت عن انفتاح الحريري على عون من دون التنسيق معه، وفي شأن إقبال «المستقبل» على الاشتراك في الحكومة الحالية التي رفضت «القوات» أن تكون في عدادها، بل إن بعض الأوساط يقول إن جعجع يعتبر أنه إذا لم تدعم 14 آذار ترشحه، من زاوية دعمها المشروع الذي يحمله في مواجهة السلوك السياسي ل «حزب الله» بالاستقلال عن الدولة، فإنه يرجح تفكك التحالف بينه وبين حلفائه. الخطة (أ) والخطة (ب) وإذ تقر أوساط في «القوات» بأن ترشح جعجع يخلط الأوراق داخل 14 آذار، فإن أوساطاً مراقبة تعتبره أيضاً اختباراً منه لمدى عمق أو متانة تفاهم الحريري مع عون أو لقطع الطريق على تمتينه إذا كان ما زال محدوداً بالمضمون حتى الآن. وتدعو أوساط «القوات» إلى التعاطي مع السيناريوات الثلاثة التي تقود إلى استحالة انتخاب جعجع (وغيره من الأقطاب استطراداً) على أساس أن الخطة (أ) تقتضي تأييده من حلفائه فتستعيد تماسكها عن طريق خوض الدورة الأولى للاقتراع حتى لو لم تحصل مجتمعة، تمهيداً للخطة (ب) المتعلقة بالتفتيش عن الرئيس التسوية، فتذهب مجتمعة إلى هذا الخيار أيضاً وتستعيد تماسكها، وإلا خسرت وحدتها في الخطتين معاً. بل إن البعض يذهب إلى حد القول إنه إذا كان من تفاهم مع 8 آذار أو مع عون على الرئيس الجديد، حتى لو كان عون نفسه، فإن ترشح جعجع يساعد 14 آذار على أن تحدد ما هو التوجه الذي سيسلكه في عهده والذي تريده منه للمساهمة في إيصاله إلى سدة الرئاسة.