خلال جولته الآسيوية، في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بعودة بلاده إلى الاضطلاع بدور نشط في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، معتبراً أنه «سيكون أول رئيس أميركي باسيفيكي». وعلى رغم أن أوباما حاول أن يصور أن اهتمامه بآسيا - المحيط الهادئ يعود إلى طفولته في هاواي وإندونيسيا، لكن استراتيجيات وتوجهات القوى العظمى، لا تستند إلى مزاج شخص الرئيس واعتباراته الذاتية، وإنما تستند إلى معطيات موضوعية تتعلق برؤية الدولة ومؤسساتها والظروف والمتغيرات الدولية القائمة، وتحولات النظام الدولي وأبرزها بروز الصين وقوى ناهضة أخرى كموضوعات وقضايا أهم لأميركا من موضوعات وقضايا «العالم القديم»، أي أوروبا. فقبل نحو 30 سنة كان مركز ثقل الاقتصاد العالمي يقع غربي لندن وربما كان في وسط المحيط الأطلسي تحديداً، بين الولاياتالمتحدة وأوروبا، لكن خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، انتقل هذا المركز من المحيط الأطلسي إلي المحيط الباسيفيكي بين الولاياتالمتحدة من جانب واليابان والصين والهند من جانب آخر. وأصبح المحيط الباسيفيكي هو مكمن الفرصة والخطر بالنسبة للنسر الأميركي. فالدول الأوروبية أدارت الظهر إلى كل مناشدات الرئيس أوباما لإقامة توازن بين مشاريع التقشف ومواصلة النمو الاقتصادي، ولأن العلاقات بين الطرفين، الأوروبي والأميركي، وصلت إلى مستوى من الجفاء، غير مسبوق منذ سنة 1945، فقد تجرأ، دونيز ماكشين، وزير بريطاني سابق للشؤون الأوروبية على القول: «للمرة الأولى، منذ 1945، يتواجد رئيس أميركي لا يعنيه ما يقع في الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي». كما أن الدول الآسيوية والأميركية اللاتينية، وعلى الرغم من أنها تلعب هذه الأيام دور المنقذ للاقتصاد الدولي من وهدة الركود، بدأت تُعيد النظر في علاقتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، وتدرس جدياً الانغلاق نسبياً على نفسها في منطقة آسيا - المحيط الهادئ. واستغرقت عملية انتقال مركز القوة والحضارة العالمية من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي حوالى ثلاثة قرون، فيما لم تتجاوز عملية الانتقال ذاتها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الباسيفيكي سوى نصف هذه المدة، أي 150 سنة، والمرجح أن تعميق الارتباط بين أميركا والدول الآسيوية الباسيفيكية سينشئ كتلة عالمية هائلة «الحافة الباسيفيكية»، وسيكون هذا بمنزلة النصر النهائي لجماعات الضغط الأميركية من أهل السواحل الغربية، بتوجههم المركز على آسيا، على الأميركيين من أهل الشواطئ الشرقية الموالين عاطفياً لكل ما هو أوروبي. * كاتب مصري