خلال بطولة العالم لألعاب القوى التي أجريت العام الماضي في برلين، قطع العداء الكيني ديفيد روديشا وعداً على نفسه، وهو أن يحطّم الرقم العالمي في ال800م. وقد حقق رهانه قبل أيام حين سجل زمناً مقداره 1.41.09 دقيقة، ناسخاً رقم الدنماركي، الكيني الأصل، ويليون كيبكيتير (1.41.11د) الصامد منذ عام 1997 الذي حققه في لقاء كولن في 24 آب (أغسطس). والمصادفة السعيدة أن روديشا حققه أمنيته على المضمار الأولمبي في لقاء برلين الدولي (22 آب) مسرح بطولة العالم 2009. لكن معايير المنافسة اختلفت في غضون عام. إذ حين كان روديشا (21 سنة) يجري تمارين الإحماء العام الماضي، تشاءم من المطر المنهمر والحرارة المتدنية، فهو عموماً لا يحب المنافسة تحت المطر. وبالتالي أخفق في نصف نهائي السباق بعد أن ارتكب خطأ فنياً فخرج بخفي حنين في أول اختبار له بين الكبار، بعد أن فاته القطار في أولمبياد بكين 2008 بسبب مشكلة بدنية. وبعد نحو أسبوعين، سجل روديشا زمناً ممتازاً في لقاء رييتي الإيطالي (1.42.01د). وأشار إلى أن معظم الأبطال يمرون أحياناً في مرحلة إنعدام وزن، "وعليهم استخلاص العبر"، كاشفاً أنه حاول مضاعفة سرعته في برلين لكن ساقيه خانتاه، ولم تلبِ عضلاتهما رغبته بسبب البرد. وهذا الموسم، استفاد روديشا من طقس جيد في معظم مشاركاته، فتصدّر دائماً كوكبة المقدمة. وفي لقاء أوسترافا الذي نظّم في أيار (مايو) الماضي، أثنى كيبكيتير على أداءه، وطلب منه المثابرة "لأنك بطل ال800م المقبل والرقم القياسي العالمي لن يفلت منك". عموماً، يدرك روديشا قدراته الفنية، ولطالما سمع إطراء وتشجيعاً. فنجل العداء السابق دانيال روديشا "كبرياء أفريقيا" الاختصاصي في سباق ال400 م وقد مثل بلاده في أولمبياد 1968 في سباق البدل وحصد وزملاؤه الميدالية الفضية، بطل العالم للناشئين عام 2006، موهوب منذ صغره، ومميز بخطواته الكبيرة. وقد شُبّه بمواطنه بيلي كونشيللا، بطل العالم عامي 1987 و1991، خصوصاً من ناحية القامة الفارعة (طول كل منهما 1.90م). وبعدّما فوّت روديشا فرصتي دورة بكين الأولمبية (2008) ومونديال برلين (2009)، يحلم بالتعويض في محطتي دايجو (بطولة العالم 2011) ولندن (أولمبياد 2012). وقبل أن ينسخ الرقم القياسي، كان يحمل ثلاثة من الأرقام العشرة الأفضل عالمياً. لكنه تحاشى مرات تأكيداً مباشراً لتنطحه للرقم العالمي تاركاً المهمة لمدير أعماله جيمس تيملبتون. وكدّ روديشا كثيراً في الشتاء الماضي لتحقيق مبتغاه، منفذاً تدريبات نوعية قاسية اختارها مدربه كولم أوكنل، الذي لم يرافقه إلى لقاء برلين بسبب ظرف عائلي. وكان أوكنل أخذ بيد روديشا عام 2005 ووجهه نحو خوض سباقات ال800م. فباشر "الفتى" برنامج إعداد يتضمن جرياً جماعياً على هضاب ألدوريت الكينية وسفوحها الشهيرة، ثم حصص تدريب فردية في ايتن لتنمية سرعته، ومنها الجري مسافة 150م ب16 ثانية على طريقة عدائي السرعة الاختصاصيين. في حزيران (يونيو) الماضي، حقق روديشا 1.42.04 د في لقاء أوسلو، ثم 1.41.51د في الشهر التالي بعد يومين من مشاركته في لوزان. وحين شاهده كونشيللا خلال بطولة أفريقيا في 30 تموز(يوليو)، توقع أن يحقق يوماً رقماً خرافياً مقداره 1.38.00د. ولم يؤكد روديشا مشاركته في لقاء برلين (22 آب) الا في اللحظة الأخيرة، ووعد فقط جرياً على عادته بركض سريع وبذل قصاراه. وكشف عقب السباق أنه كان يتحضر ليحطّم الرقم العالمي في رييتي، "لم أخطط لشيء في برلين خشية أن يتحوّل الطقس إلى ماطر. وعندما أيقنت أنه سيكون مناسباً طلبت من زميلي في التدريب سامي تانغوي أن يؤدي دور أرنب السباق ويجري ال400م الأولى بين 48 و49 ثانية (سجل 48.65ث). وقلت له سأحاول بعدها المتابعة بوتيرة سريعة". كانت انطلاقة روديشا مثالية، وعززها مواطنه تانغوي طبعاً، فاجتاز مسافة ال600م ب1.14.54د، وسجل 26.55 ث في ال200م الأخيرة، ليحقق 1.41.09د محسّناً رقمه الشخصي (1.41.51د). وشعر روديشا بالتعب الشديد في الأمتار "القاتلة"، لكنه كان يعرف أنه سينجح في رهانه، ما منحه دفعاً قوياً حتى اجتيازه خط النهاية. من جانبه، أصاب كيبكيتير الذي أوقف مسيرته بالاعتزال عام 2005، في توقعه أن روديشا هو الرياضي الذي يستطيع تحطيم الرقم القياسي للسباق. وقد أبلغ بالخبر وهو في سنغافوره يتابع الدورة الأولمبية الأولى للشباب (أختتمت في 26 الجاري). فلم يفاجأ بالطبع خصوصاً أنه كان منذ العام الماضي يتوقع أن ينال روديشا من الرقم الصامد. وأعرب عن سروره "لأن الانجاز بات في عهدة من يستحقه وهذا مفيد لألعاب القوى". أما مواطنه دانيال كومان، الذي برز بين العامين 1996 و1998 ، فيبدي إعجاباً بتصميم روديشا وذكائه وتركيزه. ويعتبره أبرز عداء للمسافات المتوسطة أنجبته كينيا منذ عقود.