كان يوم ال25 من كل شهر منتظراً ويوماً محورياً بامتياز لدى كل السعوديين، منه تنطلق الخطط وعلى منواله تجري الأيام وتصاغ الأحلام، لقبه السعوديون بكل ما يمت للسعادة والاستئناس من لفظ ومعنى، كان وفياً لهم بقدر لهفتهم به، لم يتزحزح إلا في شهر رمضان، إذ يتقدم موعد الراتب خمسة أيام، وسوى ذلك فإنه ملتزم بموعده وعليه تضبط ساعات الناس وأيامهم، فما قبل 25 ليس كما هو بعده. يوم ينتظره الكل، صاحب الراتب ليسعد بماله، وأبناؤه لتلبية حاجاتهم، وربة المنزل لتغرق في قائمة طلباتها، والعمال لنيل بعض ما تأجل إلى حينه، والدائن ليقتطع حقه، وسواها من قوائم الطلب والحسم حتى يأتوا على آخره، لا يجمع المختلفون على شيء كاتفاقهم على يوم 25 من كل شهر، لترد فيه الحقوق وتلبى المطالب وتزهو الدنيا بأسرها. والآن تطوي الأسر السعودية صفحة علاقتها «الودية» مع يوم ال25 من الأشهر الهجرية، بعد أن تغير موعد صرف رواتب موظفي قطاع الدولة، وتم احتسابه وفقاً للأشهر الميلادية بدلاً من الأشهر الهجرية، اعتباراً من الشهر المقبل، ما أثار «قريحة» شعراء محترفين ومبتدئين، «لنعي» الموعد الشهري «المقدس» بأبيات وداعية ساخرة. اليوم المنتظر مطلع كل شهر اكتسب «قيمته الاجتماعية» في الأوساط السعودية، لأنه اليوم المحدد لإيداع رواتب موظفي الدولة في حساباتهم الجارية في المصارف المحلية، وتحوّل بين «عشية وضحاها» إلى يومٍ «عادي»، بعد أن سُحبت ميزته التي تمتع بها أعواماً طويلة. الحدث الأهم في «الساحة السعودية» جدد «الولاء» للموعد الشهري المميز، الذي تلازمه عادة «طقوس» محددة، تبدأ داخل منزل الأسرة، وتمتد إلى ازدحام الشوارع، وآلات الصرف الآلي، وتنتهي ليلاً برسائل التذكير بالالتزامات «المالية» و«القطات الشهرية»! وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي، في اليومين الماضيين، تفاعلاً واسعاً، مع ما تردد عن احتساب رواتب موظفي الدولية ابتداء من الشهر المقبل، بالتاريخ الميلادي، فيما تصدر وداع يوم ال25 من الأشهر الهجرية صفحات النقاش الإلكترونية، والرسائل الجماعية، إذ عبر متفاعلون عنها بأبيات شعرية منظومة، وطرائف ساخرة بثت في مواقع التواصل الاجتماعية. وتعمل الجهات المعنية على اعتماد التقويم الميلادي لاحتساب رواتب موظفي الدولة بدءاً من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إذ جاء في البند ال14 من قرارات مجلس الوزراء السعودي الذي اجتمع الإثنين 26 أيلول (سبتمبر) برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز: «يكون احتساب الرواتب والأجور والمكافآت والبدلات الشهرية، وما في حكمها، لجميع العاملين في الدولة، وصرفها بما يتوافق مع السنة المالية للدولة المحددة بموجب المرسوم الملكي رقم (م/6) في 12-4-1407ه». وينص المرسوم الملكي رقم (م/6) في 12-4-1407ه على بدء السنة المالية للدولة في اليوم ال10 من برج الجدي من السنة الشمسية، وهو الذي يوافق الأول من كانون الثاني (يناير) من كل سنة ميلادية، وبحسب قرار مجلس الوزراء الأخير سيتم العمل بهذا اعتباراً من 30 ذي الحجة الجاري. الآن تميل كفة هذا اليوم إلى غيره، وسيضطر السعوديون إلى ضبط ساعاتهم على تاريخ جديد، تنطفئ العلاقة الأثيرة التي استمرت إلى عقود وتضيء أخرى في مكان آخر، فيما يشبه الرحيل، وسيحتاج المرء إلى بعض الوقت كي يهضم ذلك كما حصل مع إجازة نهاية الأسبوع التي أصبحت الآن في صميم الذهنية الشعبية وكأنها المألوف الذي لم يسبقه عناق قبله. وتمضي الأيام.